وهو للخواص وفسر بشوب العبودية بالالتفات إلى غير الربوبية- وتوبته الالتفات عن ذلك الالتفات- وشرك أخفى لخواص الخواص وهو الأنانية- وتوبته بالوحدة- وهي فناء الناسوتية في بقاء اللاهوتية وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ أيّ شرك كان من هذه المراتب فَقَدِ افْتَرى وارتكب حسب مرتبته إِثْماً عَظِيماً لا يقدر قدره أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ كعلماء السوء من أهل الظاهر الذين لم يحصلوا من علومهم سوى العجب والكبر والحسد والحقد وسائر الصفات الرذيلة بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ كالعارفين به الذين لا يرون لأنفسهم فعلا، ويحتمل أن يكون هذا تعجيبا ممن يزكي نفسه بنفسه ويسلك في مسالك القوم على رأيه غير معتمد على مرب مرشد له من ولي كامل أو أثارة من علم إلهي كبعض المتفلسفين من أهل الرياضات انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بادعاء تزكية نفوسهم من صفاتها وما تزكت أو بانتحال صفات الله تعالى إلى أنفسهم مع وجودها وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً ظاهرا لا خفاء فيه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً بعضا مِنَ الْكِتابِ الجامع، وأشير به إلى علم الظاهر يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ أي بجبت النفس وَالطَّاغُوتِ أي طاغوت الهوى فيميلون مع أنفسهم وهواهم وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي لأجل الذين ستروا الحق هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الإيمان الحقيقي سَبِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي أبعدهم عن معرفته وقربه وَمَنْ يَلْعَنِ أي يبعده اللَّهُ عن ذلك فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً يهديه إلى الحق أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً ذم لهم بالبخل الذي هو الوصمة الكبرى عند أهل الله تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من المعرفة وإعزازهم بين خلقه وإرشادهم لمن استرشدهم فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ وهم المتبعون له على ملته من أهل المحبة والخلة الْكِتابَ أي علم الظاهر أو الجامع له ولعلم الباطن وَالْحِكْمَةَ علم الباطن أو باطن الباطن وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً وهو الوصول إلى العين وعدم الوقوف عند الأثر إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا أي حجبوا عن تجليات صفاتنا وأفعالنا أو أنكروا على أوليائنا الذين هم مظاهر الآيات سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً عظيمة وهي نار القهر والحجاب، أو نار الحسد كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ وتقطعت أماني نفوسهم الأمارة ومقتضيات هواها بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها بتجدد نوع آخر من أنواع تجليات القهر أو بتجدد نعم أخرى تظهر على أوليائنا الذين حسدوهم وأنكروا عليهم لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ما داموا منغمسين في أوحال الرذائل إن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي الأعمال التي يصلحون بها لقبول التجليات سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ من ماء الحكمة ولبن الفطرة وخمر الشهود وعسل الكشف خالِدِينَ فِيها أَبَداً لبقاء أرواحهم المفاضة عليها ما يروحها لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ من
التجليات التي يلتذون بها مُطَهَّرَةٌ من لوث النقص وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا وهو ظل الوجود والصفات الإلهية وذلك بمحو البشرية عنهم، نسأل الله تعالى من فضله فلا فضل إلا فضله، ثم إنه سبحانه وتعالى أرشد المؤمنين بأبلغ وجه إلى بعض أمهات الأعمال الصالحة فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها
أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة دعا عثمان بن أبي طلحة فلما أتاه قال: أرني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده إليه قام العباس فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجعله لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرني المفتاح يا عثمان فبسط يده يعطيه، فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح، فقال: هاك بأمانة الله تعالى فقام ففتح الكعبة فوجد فيها تمثال إبراهيم عليه السلام معه قداح يستقسم بها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما للمشركين قاتلهم الله تعالى وما شأن إبراهيم عليه السلام وشأن القداح وأزال ذلك، وأخرج مقام إبراهيم عليه السلام وكان في الكعبة ثم قال: أيها الناس هذه القبلة، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل عليه السلام- فيما ذكر لنا- برد المفتاح فدعا عثمان بن أبي