للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرا فقط بخلاف ما فيه ذلك فإنه يجب باطنا أيضا، وكذا يقال في المباح الذي فيه ضرر للمأمور به، ثم هل العبرة بالمباح والمندوب المأمور به باعتقاد الأمر فإذا أمر بمباح عنده سنة عند المأمور يجب امتثاله ظاهرا فقط أو المأمور فيجب باطنا أيضا وبالعكس فينعكس ذلك كل محتمل؟ وظاهر إطلاقهم في مسألة أمر الإمام الناس بالصوم للاستسقاء الثاني لأنهم لم يفصلوا بين كون الصوم المأمور به هناك مندوبا عند الآمر أو لا، وأيد بما قرروه في باب الاقتداء من أن العبرة باعتقاد المأموم لا الإمام، ولم أقف على ما قاله أصحابنا في هذه المسألة فليراجع هذا، واستدل بالآية من أنكر القياس وذلك لأن الله تعالى أوجب الرد إلى الكتاب والسنة دون القياس، والحق أن الآية دليل على إثبات القياس بل هي متضمنة لجميع الأدلة الشرعية، فإن المراد بإطاعة الله العمل بالكتاب، وبإطاعة الرسول العمل بالسنة، وبالرد إليهما القياس لأن رد المختلف فيه الغير المعلوم من النص إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وليس القياس شيئا وراء ذلك، وقد علم من قوله سبحانه: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ أنه عند عدم النزاع يعمل بما اتفق عليه وهو الإجماع إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ متعلق بالأمر الأخير الوارد في محل النزاع إذ هو المحتاج إلى التحذير عن المخالفة، وجواب الشرط محذوف عند جمهور البصريين ثقة بدلالة المذكور عليه، والكلام على حد- إن كنت ابني فأطعني- فإن الإيمان بالله تعالى يوجب امتثال أمره، وكذا الإيمان باليوم الآخر لما فيه من العقاب على المخالفة ذلِكَ أي الرد المأمور به العظيم الشأن ولو حمل- كما قيل- على جميع ما سبق على التفريع لحسن.

وقال الطبرسي: إنه إشارة إلى ما تقدم من الأوامر أي طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وأولي الأمر، ورد المتنازع فيه إلى الله والرسول عليه الصلاة والسلام خَيْرٌ لكم وأصلح وَأَحْسَنُ أي أحمد في نفسه تَأْوِيلًا أي عاقبة، قاله قتادة والسدي وابن زيد، وأفعل التفضيل في الموضعين للإيذان بالكمال على خلاف الموضوع له، ووجه تقديم الأول على الثاني أن الأغلب تعلق أنظار الناس بما ينفعهم، وقيل: المراد خَيْرٌ لكم في الدنيا وَأَحْسَنُ عاقبة في الآخرة، ووجه التقديم عليه أظهر.

وعن الزجاج أن المراد أَحْسَنُ تَأْوِيلًا من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم. فالتأويل إما بمعنى الرجوع إلى المآل والعاقبة، وإما بمعنى بيان المراد من اللفظ الغير الظاهر منه، وكلاهما حقيقة، وإن غلب الثاني في العرف ولذا يقابل التفسير.

أَلَمْ تَرَ خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وتعجيب له عليه الصلاة والسلام أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ من الزعم، وهو كما في القاموس مثلث القول: الحق والباطل والكذب ضد، وأكثر ما يقال: فيما يشك فيه، ومن هنا قيل: إنه قول بلا دليل، وقد كثر استعماله بمعنى القول الحق،

وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «زعم جبريل»

وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه «زعم رسولك» وقد أكثر سيبويه في الكتاب من قوله: زعم الخليل كذا- في أشياء يرتضيها- وفي شرح مسلم للنووي أن زعم في كل هذا بمعنى القول، والمراد به هنا مجرد الادعاء أي يدعون أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ أي القرآن.

وَما أُنْزِلَ إلى موسى عليه السلام مِنْ قَبْلِكَ وهو التوراة، ووصفوا بهذا الادعاء لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح، وقرىء أُنْزِلَ وأُنْزِلَ بالبناء للفاعل يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ بيان لمحل التعجيب على قياس نظائره

أخرج الثعلبي وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن رجلا من المنافقين يقال له بشر خاصم يهوديا فدعاه اليهود إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، ثم إنهما

<<  <  ج: ص:  >  >>