للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجح بعضهم أيضا النصب على الاستثناء هنا بأن فيه توافق القراءتين معنى وهو مما يهتم به، وبأن توجيه الكلام على غيره لا يخلو عن تكلف ودغدغة، وقرأ أبو عمرو ويعقوب- «أن اقتلوا» - بكسر النون على الأصل في التخلص من الساكنين، وأَوِ اخْرُجُوا بضم الواو للاتباع، والتشبيه بواو الجمع في نحو وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة: ٢٣٧] ، وقرأ حمزة وعاصم بكسرهما على الأصل، والباقون بضمهما وهو ظاهر، وأَنِ كيفما كانت نونها إما مفسرة- لأنا كتبنا- في معنى أمرنا ولا يضر تعديه بعلى لأنه لم يخرج عن معناه، ولو خرج فتعديه باعتبار معناه الأصلي جائز كما في- نطقت الحال بكذا- حيث تعدى الفعل بالباء مع أنهم قد يريدون به دل، وهو يتعدى بعلى.

وإن أبيت هذا ولا أظن قلنا: إنه بمعنى أو حينا وإما مصدرية وهو الظاهر ولا يضر زوال الأمر بالسبك لأنه أمر تقديري وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ أي ما يؤمرون به مقرونا بالوعد والوعيد من متابعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم والانقياد إلى حكمه ظاهرا وباطنا لَكانَ فعلهم ذلك خَيْراً لَهُمْ عاجلا وآجلا وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً لهم على الحق والصواب وأمنع لهم من الضلال وأبعد من الشبهات كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: ١٧] ، وقيل:

معناه أكثر انتفاعا لأن الانتفاع بالحق يدوم ولا يبطل لاتصاله بثواب الآخرة، والانتفاع بالباطل يبطل ويضمحل ويتصل بعقاب الآخرة.

وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ لأعطيناهم مِنْ لَدُنَّا من عندنا أَجْراً ثوابا عَظِيماً لا يعرف أحد مبداه ولا يبلغ منتهاه، وإنما ذكر من لدنا تأكيدا ومبالغة وهو متعلق بآتيناهم، وجوز أن يكون حالا من أَجْراً والواو للعطف ولآتيناهم- معطوف على لكان خيرا لهم لفظا وإِذاً مقحمة للدلالة على أن هذا الجزاء الأخير بعد ترتب التالي السابق على المقدم ولإظهار ذلك وتحقيقه قال المحققون: إنه جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: وماذا يكون لهم بعد التثبيت؟ فقيل: وَإِذاً لو ثبتوا لآتيناهم وليس مرادهم أنه جواب لسؤال مقدر لفظا ومعنى، وإلا لم يكن لاقترانه بالواو وجه، وإظهار لَوْ ليس لأنها مقدرة بل لتحقيق أن ذلك جواب للشرط لكن بعد اعتبار جوابه الأول، والمراد بالجواب في قولهم جميعا: إن إذا حرف جواب دائما أنها لا تكون في كلام مبتدأ بل هو في كلام مبني على شيء تقدمه ملفوظ، أو مقدر سواء كان شرطا، أو كلام سائل، أو نحوه كما أنه ليس المراد بالجزاء اللازم لها، أو الغالب إلا ما يكون مجازاة لفعل فاعل سواء السائل وغيره، وبهذا تندفع الشبه الموردة في هذا المقام، وزعم الطيبي أن ما أشرنا إليه من التقدير تكلف من ثلاثة أوجه- وهو توهم منشؤه الغفلة عن المراد- كالذي زعمه العلامة الثاني، فتدبر وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وهو المراتب- بعد الإيمان- التي تفتح أبوابها للعاملين،

فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم» ،

وقال الجبائي: المعنى ولهديناهم في الآخرة إلى طريق الجنة وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ بالانقياد لأمره ونهيه وَالرَّسُولَ المبلغ ما أوحي إليه منه باتباع شريعته، والرضا بحكمه، والكلام مستأنف فيه فضل ترغيب في الطاعة ومزيد تشويق إليها ببيان أن نتيجتها أقصى ما تنتهي إليه همم الأمم، وأرفع ما تمتد إليه أعناق أمانيهم، وتشرئب إليه أعين عزائمهم من مجاورة أعظم الخلائق مقدارا وأرفعهم منارا، ومتضمن لتفسير ما أبهم وتفصيل ما أجمل في جواب الشرطية السابقة وَمَنْ شرطية وإفراد ضمير يُطِعِ مراعاة للفظ، والجمع في قوله سبحانه فَأُولئِكَ مراعاة للمعنى أي فالمطيعون الذين علت درجتهم وبعدت منزلتهم شرفا وفضلا.

مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بما تقصر العبارة عن تفصيله وبيانه مِنَ النَّبِيِّينَ بيان للمنعم عليهم فهو حال

<<  <  ج: ص:  >  >>