مشبها بمن لا مودة بينكم وبينه حيث لم يتمن نصرتكم ومظاهرتكم، وقيل: هي من كلام المبطئ داخلة كجملة التمني في المقول أي ليقولن المبطئ لمن يثبطه من المنافقين وضعفة المؤمنين كأن لم تكن بينكم وبين محمد صلّى الله عليه وسلّم مودة حيث لم يستصحبكم معه في الغزو حتى تفوزوا بما فاز به المستصحبون يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ إلخ، وغرضه إلقاء العداوة بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتأكيدها، وإلى ذلك ذهب الجبائي، وذهب أبو علي الفارسي والزجاج وتبعه الماتريدي إلى أنها متصلة بالجملة الأولى أعني قال: قد أنعم إلخ أي قال: ذلك «كأن لم يكن» إلخ ورده الراغب والأصفهاني بأنها إذا كانت متصلة بالجملة الأولى فكيف يفصل بها بين أبعاض الجملة الثانية، ومثل مستقبح، واعتذر بأن مرادهم أنها معترضة بين أجزاء هذه الجملة صريحا متعلق بالأولى وضمنا بهذه، وكَأَنْ مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وهو محذوف، وقيل: إنها لا تعمل إذا خففت.
وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب تَكُنْ بالتاء لتأنيث لفظ المودة، والباقون- يكن- بالياء للفصل ولأنها بمعنى الودّ، والمنادى في يا لَيْتَنِي عند الجمهور محذوف أي يا قومي، وأبو علي يقول في نحو هذا: ليس في الكلام منادى محذوف بل تدخل- يا- خاصة على الفعل والحرف لمجرد التنبيه، ونصب- أفوز- على جواب التمني، وعن يزيد النحوي والحسن فَأَفُوزَ بالرفع على تقدير فأنا أفوز في ذلك الوقت، أو العطف على خبر ليت فيكون داخلا في التمني فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ الموصول فاعل الفعل وقدم المفعول الغير الصريح عليه للاهتمام به، ويَشْرُونَ مضارع شرى، ويكون بمعنى باع واشترى من الأضداد، فإن كان بمعنى- يشترون- فالمراد من الموصول المنافقون أمروا بترك النفاق، والمجاهدة مع المؤمنين، والفاء للتعقيب أي ينبغي بعد ما صدر منهم من التثبيط والنفاق تركه وتدارك ما فات من الجهاد بعد، وإن كان بمعنى- يبيعون- فالمراد منه المؤمنون الذين تركوا الدنيا واختاروا الآخرة أمروا بالثبات على القتال وعدم الالتفات إلى تثبيط المبطئين، والفاء جواب شرط مقدر أي إن صدهم المنافقون فليقاتلوا ولا يبالوا.
وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ ولا بدّ، وفي الالتفات مزيد التفات أَجْراً عَظِيماً لا يكاد يعلم كمية وكيفية وفي تعقيب القتال بما ذكر تنبيه على أن المجاهد ينبغي أن يكون همه أحد الأمرين إما إكرام نفسه بالقتل والشهادة، أو إعزاز الدين وإعلاء كلمة الله تعالى بالنصر ولا يحدث نفسه بالهرب بوجه، ولذا لم يقل: فيغلب، أَوْ يَغْلِبْ وتقديم القتل للإيذان بتقدمه في استتباع الأجر، وفي الآية تكذيب للمبطىء بقوله:
قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ إلخ وَما لَكُمْ خطاب للمأمورين بالقتال على طريقة الالتفات مبالغة في التحريض والحث عليه وهو المقصود من الاستفهام، وما مبتدأ ولَكُمْ خبره، وقوله تعالى:
لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في موضع الحال والعامل فيها الاستقرار، أو الظرف لتضمنه معنى الفعل أي أيّ شيء لكم غير مقاتلين والمراد لا عذر لكم في ترك المقاتلة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ إما عطف على الاسم الجليل أي في سبيل المستضعفين وهو تخليصهم عن الأسر وصونهم عن العدو- وهو المروي عن ابن شهاب- واستبعد بأن تخليصهم سبيل الله تعالى لا سبيلهم، وفيه أنه وإن كان سبيل الله عز اسمه له نوع اختصاص بهم فلا مانع من إضافته إليهم: واحتمال أن يراد بالمقاتلة في سبيلهم- المقاتلة في فتح طريق مكة إلى المدينة ودفع سد المشركين إياه ليتهيأ خروج المستضعفين- مستضعف جدا، وإما عطف على سبيل بحذف مضاف، وإليه ذهب المبرد أي وفي خلاص المستضعفين، ويجوز نصبه بتقدير أعني، أو أخص فإن سبيل الله تعالى يعم أبواب الخير وتخليص المستضعفين من أيدي المشركين من أعظمها وأخصها، ومعنى المستضعفين الذين طلب المشركون ضعفهم وذلهم أو الضعفاء منهم