للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ عطف على مقدر تدل عليه الشرطية دلالة واضحة كأنه قيل: يطريق الاستئناف تقريرا لمضمونها حكم الله تعالى بأن جزاءه ذلك- وغضب عليه- أي انتقم منه على ما عليه الأشاعرة وَلَعَنَهُ أي أبعده عن رحمته بجعل جزائه ما ذكر، وقيل: هو وما بعده معطوف على الخبر بتقدير أن وحمل الماضي على معنى المستقبل أي فجزاؤه جهنم وأن يغضب الله تعالى عليه إلخ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً لا يقادر قدره.

والآية- كما

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير- نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني (١) أنه أسلم هو وأخوه هشام وكانا بالمدينة فوجد مقيس أخاه هشاما ذات يوم قتيلا في الأنصار في بني النجار فانطلق إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بذلك فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من قريش من بني فهر- ومعه مقيس إلى بني النجار ومنازلهم يومئذ بقباء- أن ادفعوا إلى مقيس قاتل أخيه إن علمتم ذلك وإلا فادفعوا إليه الدية فلما جاءهم الرسول قالوا: السمع والطاعة لله تعالى وللرسول صلّى الله عليه وسلّم والله تعالى ما نعلم له قاتلا ولكن نؤدّي الدية فدفعوا إلى مقيس مائة من الإبل دية أخيه، فلما انصرف مقيس، والفهري راجعين من قباء إلى المدينة، وبينهما ساعة عمد مقيس إلى الفهري رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله وارتد عن الإسلام، وفي رواية أنه ضرب به الأرض وفضخ رأسه بين حجرين وركب جملا من الدية وساق معه البقية ولحق بمكة، وهو يقول في شعر له:

قتلت به فهرا وحملت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع

وأدركت ثاري وأضجعت موسدا ... وكنت إلى الأوثان أول راجع

فنزلت

هذه الآية مشتملة على إبراق وإرعاد وتهديد شديد وإبعاد، وقد تأيدت بغير ما خبر ورد عن سيد البشر صلّى الله عليه وسلّم

فقد أخرج أحمد والنسائي عن معاوية سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كل ذنب عسى الله تعالى أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا، وأخرج ابن المنذر عن أبي الدرداء مثله،

وأخرج ابن عدي والبيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله تعالى» ،

وأخرجا عن البراء بن عازب «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: لزوال الدنيا وما فيها أهون عند الله تعالى من قتل مؤمن ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله تعالى النار» ،

وفي رواية الأصبهاني عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لو أن الثقلين اجتمعوا على قتل مؤمن لأكبهم الله تعالى على مناخرهم في النار، وأن الله تعالى حرم الجنة على القاتل والآمر» ،

واستدل بذلك ونحوه من القوارع المعتزلة على خلود من قتل مؤمنا متعمدا في النار، وأجاب بعض المحققين بأن ذلك خارج مخرج التغليظ في الزجر لا سيما الآية لاقتضاء النظم له فيها كقوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ [آل عمران: ٩٧] في آية الحج،

وقوله صلّى الله عليه وسلّم للمقداد بن الأسود- كما في الصحيحين حين سأله عن قتل من أسلم من الكفار بعد أن قطع يده في الحرب- «لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول الكلمة التي قال» ،

وعلى ذلك يحمل ما

أخرجه عبد بن حميد عن الحسن قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نازلت ربي في قاتل المؤمن أن يجعل له توبة فأبى علي»

وما أخرجه عن سعيد بن مينا أنه قال: «كنت جالسا بجنب أبي هريرة رضي الله تعالى عنه إذ أتاه رجل فسأله عن قاتل المؤمن هل له من توبة؟ فقال: لا والذي لا إله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط» .

وشاع القول بنفي التوبة عن ابن عباس، وأخرجه غير واحد عنه وهو محمول على ما ذكرنا، ويؤيد ذلك ما


(١) وهو الذي قتل متعلقا بأستار الكعبة يوم الفتح اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>