وعن الثاني بأن الآية ليس فيها ما يدل على أن الفسوق لا يجامع الإيمان فإنه لو قيل حبب إليكم العلم وكره إليكم الفسوق لم يدل على المناقضة بين العلم والفسوق وكون الكفر مقابلا للإيمان لم يستفد من الآية بل من خارج ولئن سلمنا دلالة الآية على ما ذكرتم إلا أن ذلك معارض بما يدل على عدمه كقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الإنعام: ٨٢] فإنه يدل على مقارنة الظلم للإيمان في بعض، وعن الثالث بأنا لا نسلم أن فعل الكبيرة مناف للإيمان وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: ٢] على معنى لا تحملنكم الشفقة على إسقاط حدود الله تعالى بعد وجوبها، وعن الرابع بأن ما ذكر من الآيتين ليس فيه دلالة لأن آية نفي الخزي إنما دلت على نفيه في الآخرة عن المؤمنين مطلقا أو أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم وآية القاطع دالة على الخزي في الدنيا ولا يلزم من منافاة الخزي يوم القيامة للإيمان منافاته للإيمان في الدنيا، وعن الخامس بأنا لا نسلم كفر من ترك الحج من غير عذر وَمَنْ كَفَرَ [البقرة: ١٢٦، آل عمران: ٩٧، النور: ٥٥، لقمان: ٢٣] ابتداء كلام أو المراد من لم يصدق بمناسك الحج وجحدها ولا يتصور مع ذلك التصديق، وعن السادس بأن معنى مَنْ لَمْ يَحْكُمْ [المائدة: ٤٤، ٤٥، ٤٧] الآية من لم يصدق أو من لم يحكم بشيء مما نزل الله أو المراد بذلك التوراة بقرينة السابق، وعن السابع بأنه يمكن أن يقال معنى
«لا يزني الزاني وهو مؤمن»
أي آمن من عذاب الله أي إن زنى- والعياذ بالله- فليخف عذابه سبحانه وتعالى ولا يأمن مكره أو المراد لا يزني مستحلا لزناه وهو مؤمن أو لا يزني وهو على صفات المؤمن من اجتناب المحظورات، وهذا التأويل أولى من مخالفة الأوضاع اللغوية لكثرته دونها وكذا يقال في نظائر هذا، وعن الثامن بأنا لا ننكر مجامعة الكبائر للإيمان عقلا غير أن الأمة مجمعة على إكفار المستخف فعلمنا انتفاء التصديق- عند وجود الاستخفاف مثلا سمعا- والجمع بين العمل بوضع اللغة وإجماع الإمة على الإكفار أولى من إبطال أحدهما، وعن التاسع بأن الآية قد فرقت بين الدين وفعل الواجبات للعطف وهو ظاهرا دليل المغايرة، سلمنا أن الدين فعل الواجبات وأن الدين هو الإسلام لكن لا نسلم أن الإسلام هو الإيمان وليس المراد بغير الإسلام في الآية ما هو مغاير له بحسب المفهوم وإلا يلزم أن لا تقبل الصلاة والزكاة مثلا بل المغاير له بحسب الصدق فحينئذ يحتمل أن يكون الإسلام أعم وهذا كما إذا قلت من يبتغ غير العلم الشرعي فقد سها فإنك لا تحكم بسهو من ابتغى الكلام، وظاهر أن ذم غير الأعم لا يستلزم ذم الأخص فإن قولك غير الحيوان مذموم لا يستلزم أن يكون الإنسان مذموما، وعن العاشر بأنه مشترك الإلزام فما هو جوابكم فهو جوابنا على أنا نقول التصديق في حالة النوم والغفلة باق في القلب والذهول إنما هو عن حصوله والنوم ضد لإدراك الأشياء ابتداء لا أنه مناف لبقاء الإدراك الحاصل حالة اليقظة، سلمنا إلا أن الشارع جعل المحقق الذي لا يطرأ عليه ما يضاده في حكم الباقي حتى كان المؤمن اسما لمن آمن في الحال أو في الماضي ولم يطرأ عليه ما هو علامة التكذيب، وعن الحادي عشر بأن عدم تسمية من صدق بإلهية غير الله مؤمنا إنما هو لخصوصية متعلق الإيمان شرعا فتسميته مؤمنا يصح نظرا إلى الوضع اللغوي ولا يصح نظرا إلى الاستعمال الشرعي، وعن الثاني عشر بأن الإيمان ضد الشرك بالإجماع وما ذكروه لازم على كل مذهب ونحن نقول: إن الإيمان هناك لغوي إذ في الشرعي يعتبر التصديق بجميع ما علم مجيئه به صلّى الله عليه وسلّم كما تقدم فالمشرك المصدق ببعض لا يكون مؤمنا إلا بحسب اللغة دون الشرع لإخلاله بالتوحيد والآية إشارة إليه، وقولهم أهل اللغة لا يفهمون إلخ مجرد دعوى لا يساعدها البرهان. نعم لا شك أن المقر باللسان وحده يسمى مؤمنا لغة لقيام دليل الإيمان الذي هو التصديق القلبي فيه كما يطلق الغضبان والفرحان على سبيل الحقيقة لقيام الدلائل الدالة عليها من الآثار اللازمة للغضب والفرح ويجري عليه أحكام الإيمان ظاهرا ولا نزاع في ذلك وإنما النزاع في كونه مؤمنا عند الله تعالى والنبي صلّى الله عليه وسلّم ومن بعده كما كانوا يحكمون بإيمان من تكلم بالشهادتين كانوا يحكمون بكفر المنافق فدل على أنه لا يكفي في الإيمان فعل اللسان وهذا مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان وكأنه