كانت أل موصولة أو حرف تعريف وهو في المعنى كالنكرة، أو حال منه، أو من الضمير المستتر فيه، وجوز أن تكون مستأنفة مبينة لمعنى الاستضعاف المراد هنا فَأُولئِكَ أي المستضعفون عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ فيه إيذان بأن ترك الهجرة أمر خطير حتى أن المضطر الذي تحقق عدم وجوبها عليه ينبغي أن يعد تركها ذنبا، ولا يأمن، ويترصد الفرصة ويعلق قلبه بها.
وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً تذييل مقرر لما قبله بأتم وجه.
وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً ترغيب في المهاجرة وتأنيس لها، والمراد من المراغم، المتحول والمهاجر- كما روي ذلك عن ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم فهو اسم مكان، وعبر عنه بذلك تأكيدا للترغيب لما فيه من الإشعار بكون ذلك المتحول الذي يجده يصل فيه المهاجر إلى ما يكون سببا لرغم أنف قومه الذين هاجرهم، وعن مجاهد: إن المعنى يجد فيها متزحزحا عما يكره، وقيل: متسعا مما كان فيه من ضيق المشركين، وقيل: طريقا يراغم بسلوكه قومه- أي يفارقهم على رغم أنوفهم والرغم الذل والهوان، وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب، وقرىء مرغما وَسَعَةً أي من الرزق، وعليه الجمهور، وعن مالك سعة من البلاد.
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ أي يحل به قبل أن يصل إلى المقصد ويحط رحال التسيار، بل وإن كان ذلك خارج بابه كما يشعر به إيثار الخروج من بيته على المهاجرة، وثمّ لا تأبى ذلك كما ستعرفه قريبا إن شاء الله تعالى، وهو معطوف على فعل الشرط، وقرىء يُدْرِكْهُ بالرفع، وخرجه ابن جني كما قال السمين، على أنه فعل مضارع مرفوع للتجرد من الناصب والجازم، والموت فاعله، والجملة خبر لمبتدأ محذوف أي- ثم هو يدركه الموت- وتكون الجملة الاسمية معطوفة على الفعلية الشرطية وعلى ذلك حمل يونس قول الأعشى:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل
أي أو أنتم تنزلون وتكون الاسمية حينئذ كما قال بعض المحققين: في محل جزم وإن لم يصح وقوعها شرطا لأنهم يتسامحون في التابع، وإنما قدروا المبتدأ ليصح رفعه مع العطف على الشرط المضارع، وقال عصام الملة:
ينبغي أن يعلم أنه على تقدير المبتدأ يجب جعل مَنْ موصولة لأن الشرط لا يكون جملة اسمية ويكون يَخْرُجْ أيضا مرفوعا ويرد عليه حينئذ أنه لا حاجة إلى تقدير المبتدأ، فالأولى أن الرفع بناء على توهم رفع يَخْرُجْ لأن المقام من مظان الموصول، ولا يخفى أنه خبط وغفلة عما ذكروا، وقيل: إن ضم الكاف منقول من الهاء كأنه أراد أن يقف عليها، ثم نقل حركتها إلى الكاف كقوله:
عجبت والدهر كثير عجبه ... من عنزي يسبني لم أضربه
وهو كما في الكشف ضعيف جدا لإجراء الوصل مجرى الوقف والنقل أيضا، ثم تحريك الهاء بعد النقل بالضم وإجراء الضمير المتصل مجرى الجزء من الكلمة والبيت ليس فيه إلا النقل وإجراء الضمير مجرى الجزء، وقرأ الحسن «يدركه» بالنصب، وخرجه غير واحد على أنه بإضمار أن نظير ما أنشده سيبويه من قوله:
سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فاستريحا
ووجهه فيه أن سأترك مستقبل مطلوب فجرى مجرى الأمر ونحوه، والآية- لكون المقصود منها الحث على الخروج وتقدم الشرط الذي هو شديد الشبه بغير الموجب- كانت أقوى من البيت، وذكر بعض المحققين أن النصب في الآية جوزه الكوفيون لما أن الفعل الواقع بين الشرط والجزاء يجوز فيه الرفع والنصب والجزم عندهم إذا وقع بعد