ما خطيئة كانت أو إثما بهتان وإثم في نفسه، أما كونه بهتانا فظاهر، وأما كونه إثما فلأن كون الذنب بالنسبة إلى من فعله خطيئة لا يلزم منه كونه بالنسبة إلى من نسبه إلى البريء منه أيضا كذلك، بل لا يجوز ذلك قطعا كيف لا وهو كذب محرم في سائر الأديان فهو في نفسه بهتان وإثم لا محالة، وبكون تلك الجناية للرامي يتضاعف ذلك شدة ويزداد قبحا لكن لا لانضمام جنايته المكسوبة إلى رمي البريء وإلا لكان الرمي بغير جنايته مثله في العظم، ولا لمجرد اشتماله على تبرئة نفسه الخاطئة وإلا لكان الرمي بغير جنايته مع تبرئة نفسه مثله في العظم بل لاشتماله على قصد تحميل جنايته على البريء وإجراء عقوبتها عليه كما ينبىء عنه إيثار الاحتمال على الاكتساب ونحوه لما فيه من الإيذان بانعكاس تقديره مع ما فيه من الإشعار بثقل الوزر وصعوبة الأمر على ما يقتضيه ظاهر صيغة الافتعال، نعم بما ذكر من انضمام كسبه وتبرئة نفسه إلى رمي البريء تزداد الجناية قبحا لكن تلك الزيادة وصف للمجموع لا للإثم فقط- كذا قاله شيخ الإسلام- ولا يخفى أنه أولى مما يفهم من ظاهر كلام الكشاف من أن في التنزيل لفا ونشرا غير مرتب حيث قال إثر قوله تعالى: فَقَدِ احْتَمَلَ
إلخ: لأنه بكسبه الإثم آثم، وبرميه البريء باهت فهو جامع بين الأمرين لخلوه عما يلزمه، وإن أجيب عنه فافهم.
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
بإعلامك بما هم عليه بالوحي وتنبيهك على الحق، وقيل: لولا فضله بالنبوة ورحمته بالعصمة، وقيل: لولا فضله بالنبوة ورحمته بالوحي وقيل: المراد لولا حفظه لك وحراسته إياك.
لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ
أي من الذين يختانون، والمراد بهم أسير بن عروة وأصحابه أو الذابون عن طعمة المطلعون على كنه القصة العالمون بحقيقتها، ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى الناس، والمراد بالطائفة الذين انتصروا للسارق أو المودع الخائن، وقيل: المراد بهم وفد ثقيف،
فقد روي عن جرير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أنهم قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: يا محمد جئناك نبايعك على أن لا نكسر أصنامنا بأيدينا وعلى أن نتمتع بالعزى سنة، فلم يجبهم صلّى الله عليه وسلّم وعصمه الله تعالى من ذلك فنزلت» .
وعن أبي مسلم أنهم المنافقون هموا بما لم ينالوا من إهلاك النبي صلّى الله عليه وسلّم فحفظه الله تعالى منهم وحرسه بعين عنايته أَنْ يُضِلُّوكَ
أي بأن يضلوك عن القضاء بالحق، أو عن اتباع ما جاءك في أمر الأصنام، أو بأن يهلكوك، وقد جاء الإضلال بهذا المعنى، ومنه على ما قيل: قوله تعالى: وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ [السجدة: ١٠] والجملة جواب لَوْلا
وإنما نفى همهم مع أن المنفي إنما هو تأثيره فقط إيذانا بانتفاء تأثيره بالكلية، وقيل: المراد هو الهم المؤثر ولا ريب في انتفائه حقيقة.
وقال الراغب: إن القوم كانوا مسلمين ولم يهموا بإضلاله صلّى الله عليه وسلّم أصلا وإنما كان ذلك صوابا عندهم وفي ظنهم وجوز أبو البقاء أن يكون الجواب محذوفا والتقدير- ولولا فضل الله عليك ورحمته لأضلوك- ثم استأنف بقوله سبحانه: لَهَمَّتْ
أي لقد همت بذلك وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
أي ما يزيلون عن الحق إلا أنفسهم، أو ما يهلكون إلا إياها لعود وبال ذلك وضرره عليهم، والجملة اعتراضية، وقوله تعالى: وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
عطف عليه وعطفه على أَنْ يُضِلُّوكَ
وهم محض ومِنْ
صلة، والمجرور في محل النصب على المصدرية أي وما يضرونك شيئا من الضرر لما أنه تعالى عاصمك عن الزيغ في الحكم، وأما ما خطر ببالك فكان عملا منك بظاهر الحال ثقة بأقوال القائلين من غير أن يخطر لك أن الحقيقة على خلاف ذلك، أو لما أنه سبحانه عاصمك عن المداهنة والميل إلى آراء الملحدين والأمر بخلاف ما أنزل الله تعالى عليك، أو لما أنه جل شأنه وعدك العصمة من الناس وحجبهم عن التمكن منك وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
أي القرآن الجامع بين العنوانين، وقيل: المراد