للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم عليه السلام إلى منزله ثم عمت بعد كرامته خلق الله تعالى من كل وارد ورد عليه. فقيل له في ذلك فقال:

تعلمت الكرم من ربي رأيته لا يضيع أعداءه فلا أضيعهم أنا فأوحى الله تعالى إليه أنت خليلي حقا،

وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا جبريل لم اتخذ الله تعالى إبراهيم خليلا؟ قال: لإطعامه الطعام يا محمد» ،

وقيل- واختاره البلخي والفراء- لإظهاره الفقر والحاجة إلى الله تعالى وانقطاعه إليه وعدم الالتفات إلى من سواه كما يدل على ذلك

قوله لجبريل عليه السلام حين قال له يوم ألقي في النار: ألك حاجة؟ أما إليك فلا، ثم قال:

حسبي الله تعالى ونعم الوكيل،

وقيل: في وجه تسميته عليه السلام خليل الله غير ذلك، والمشهور أن الخليل دون الحبيب.

وأيد بما

أخرجه الترمذي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «جلس ناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول: إن الله تعالى اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله وقال آخر: ماذا بأعجب من أن كلم الله تعالى موسى تكليما، وقال آخر: فعيسى روح الله تعالى وكلمته وقال آخر: آدم اصطفاه الله تعالى فخرج عليهم فسلم فقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله تعالى وهو كذلك. وموسى كليمه وعيسى روحه وكلمته وآدم اصطفاه الله تعالى وهو كذلك ألا وإني حبيب الله تعالى ولا فخر، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتحها الله تعالى فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر» ،

وأخرج الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في الشعب وضعفه وابن عساكر والديلمي قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اتخذ الله تعالى إبراهيم خليلا وموسى نجيا واتخذني حبيبا، ثم قال وعزتي لأوثرون حبيبي على خليلي ونجيي» ،

والظاهر من كلام المحققين أن الخلة مرتبة من مراتب المحبة، وأن المحبة أوسع دائرة، وأن من مراتبها ما لا تبلغه أمنية الخليل عليه السلام، وهي المرتبة الثابتة له صلّى الله عليه وسلّم، وأنه قد حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام من مقام الخلة ما لم يحصل لأبيه إبراهيم عليه السلام، وفي الفرع ما في الأصل وزيادة، ويرشدك إلى ذلك أن التخلق بأخلاق الله تعالى الذي هو من آثار الخلة عند أهل الاختصاص أظهر وأتم في نبينا صلّى الله عليه وسلّم منه في إبراهيم عليه السلام، فقد صح أن خلقه القرآن،

وجاء عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»

وشهد الله تعالى له بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤] ومنشأ إكرام الضيف الرحمة وعرشها المحيط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما يؤذن بذلك قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء:

١٠٧] ولهذا كان الخاتم عليه الصلاة والسلام.

وقد روى الحاكم وصححه عن جندب «أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول قبل أن يتوفى: إن الله تعالى اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا،

والتشبيه على حدّ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: ١٨٣] في رأي، وقيل: إن يتوفى لا دلالة فيه على أن مقام الخلة بعد مقام المحبة كما لا يخفى.

وفي لفظ الحب والخلة ما يكفي العارف في ظهور الفرق بينهما، ويرشده إلى معرفة أن أي الدائرتين أوسع، وذهب غير واحد من الفضلاء إلى أن الآية من باب الاستعارة التمثيلية لتنزهه تعالى عن صاحب وخليل، والمراد اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، وأما في الخليل وحده فاستعارة تصريحية على ما نص عليه الشهاب إلا أنه صار بعد علما على إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

وادعى بعضهم أنه لا مانع من وصف إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالخليل حقيقة على معنى الصادق، أو من أصفى المودة وأصحها أو نحو ذلك، وعدم إطلاق الخليل على غيره عليه الصلاة والسلام مع أن مقام الخلة بالمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>