وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لأن كل ما برز في الوجود فهو شأن من شؤونه سبحانه وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً من حيث إنه الذي أفاض عليه الجود، وهو رب الكرم والجود، لا رب غيره، ولا يرجى إلا خيره وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ أي يطلبون منك تبيين المشكل من الأحكام في النساء مما يجب لهن وعليهن مطلقا فإنه عليه الصلاة والسلام قد سئل عن أحكام كثيرة مما يتعلق بهن فما بين فيما سلف أحيل بيانه على ما ورد في ذلك من الكتاب وما لم يبين بعد بين هنا، وقال غير واحد: إن المراد يَسْتَفْتُونَكَ في ميراثهن، والقرينة الدالة على ذلك سبب النزول،
فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جبير قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ أن يقوم في المال ويعمل فيه ولا يرث الصغير ولا المرأة شيئا، فلما نزلت المواريث في سورة النساء شق ذلك على الناس، وقالوا: أيرث الصغير الذي لا يقوم في المال والمرأة التي هي كذلك فيرثان كما يرث الرجل؟! فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء فانتظروا فلما رأوا أنه لا يأتي حدث قالوا لئن تم هذا إنه لواجب ما عنه بدّ، ثم قالوا: سلوا فسألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: كان أهل الجاهلية لا يورّثون النساء ولا الصبيان شيئا كانوا يقولون لا يغزون ولا يغنمون خيرا فنزلت، وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نحوه، وإلى الأول مال شيخ الإسلام: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ أي يبين لكم حكمه فيهن، والإفتاء إظهار المشكل على السائل، وفي البحر يقال: أفتاه إفتاء، وفتيا وفتوى، وأفتيت فلانا رؤياه عبرتها له.
وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ في ما ثلاثة احتمالات: الرفع والنصب والجر، وعلى الأول: إما أن تكون مبتدأ والخبر محذوف أي- وما يتلى عليكم في القرآن يفتيكم ويبين لكم- وإيثار صيغة المضارع للإيذان بدوام التلاوة واستمرارها، وفي الكتاب متعلق- بيتلى- أو بمحذوف وقع حالا من المستكن فيه أي يتلى كائنا في الكتاب، وإما أن تكون مبتدأ، وفِي الْكِتابِ خبره، والمراد بالكتاب حينئذ اللوح المحفوظ إذ لو أريد به معناه المتبادر لم يكن فيه فائدة إلا أن يتكلف له، والجملة معترضة مسوقة لبيان عظم شأن المتلو، وما يتلى متناول لما تلي وما سيتلى، وإما أن تكون معطوفة على الضمير المستتر في يُفْتِيكُمْ وصح ذلك للفصل، والجمع بين الحقيقة والمجاز في المجاز العقلي سائغ شائع، فلا يرد أن الله تعالى فاعل حقيقي للفعل، والمتلو فاعل مجازي له، والإسناد إليه من قبيل الإسناد إلى السبب فلا يصح العطف، ونظير ذلك أغناني زيد وعطاؤه، وإما أن تكون معطوفة على الاسم الجليل، والإيراد أيضا غير وارد، نعم المتبادر أن هذا العطف من عطف المفرد على المفرد، ويبعده إفراد الضمير كما لا يخفى، وعلى الثاني تكون مفعولا لفعل محذوف أي ويبين لكم ما يتلى، والجملة إما معطوفة على جملة يُفْتِيكُمْ وإما معترضة، وعلى الثالث إما أن تكون في محل الجر على القسم المنبئ عن تعظيم المقسم به وتفخيمه كأنه قيل:
قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وأقسم- بما يتلى عليكم في الكتاب- وإما أن تكون معطوفة على الضمير المجرور كما نقل عن محمد بن أبي موسى، وما عند البصريين ليس بوحي فيجب اتباعه، نعم فيه اختلال معنوي لا يكان ينفعه، وإما أن تكون معطوفة على النساء كما نقله الطبرسي عن بعضهم، ولا يخفى ما فيه، وقوله سبحانه: فِي يَتامَى النِّساءِ متعلق- بيتلى- في غالب الاحتمالات أي ما يتلى عليكم في شأنهن ومنعوا ذلك على تقدير كون ما مبتدأ، وفِي الْكِتابِ خبره لما يلزم عليه من الفصل بالخبر بين أجزاء الصلة، وكذا على تقدير القسم إذ لا معنى لتقييده بالمتلو بذلك ظاهرا، وجوزوا أن يكون بدلا من فِيهِنَّ وأن يكون صلة أخرى- ليفتيكم- ومتى لزم تعلق حرفي جر بشيء واحد بدون اتباع يدفع بالتزام كونهما ليسا بمعنى، والممنوع تعلقهما كذلك إذا كانا بمعنى واحد، وفي الثاني