أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ المذكور وأعظم، والفاء في جواب شرط مقدر والجواب مؤول ليصح الترتيب. أي إن استكبرت هذا وعرفت ما كانوا عليه تبين لك رسوخ عرقهم في الكفر، وقيل: إنها سببية والتقدير لا تبال ولا تستكبر فإنهم قد سألوا موسى عليه السلام ما هو أكبر، وهذه المسألة وإن صدرت عن أسلافهم لكنهم لما كانوا على سيرتهم في كل ما يأتون ويذرون أسند إليهم، وجعله بعض المحققين من قبيل إسناد ما للسبب للمسبب، وجوز أن يكون من إسناد فعل البعض إلى الكل بناء على كمال الاتحاد نحو:
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
فيكون المراد بضمير سَأَلُوا جميع أهل الكتاب لصدور السؤال عن بعضهم، وأن يكون المراد بأهل الكتاب أيضا الجميع فيكون إسناد يَسْئَلُكَ إلى أهل الكتاب من ذلك الإسناد، وأن يكون المراد بهم هذا النوع ويكون المراد بيان قبائح النوع فلا تكلف ولا تجوّز لا في جانب الضمير ولا في المرجع.
وأنت تعلم أن إسناد فعل البعض إلى الكل مما ألف في الكتاب العزيز، ووقع في نحو ألف موضع.
وقرأ الحسن أكثر بالمثلثة فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ الذي أرسلك جَهْرَةً أي مجاهرين معاينين فهو في موضع الحال من المفعول الأول- كما قال أبو البقاء- ويحتمل الحالية من المفعول الثاني أي معاينا على صيغة المفعول ولا لبس فيه لاستلزام كل منهما للآخر، فلا يقال: إنه يتعين كونه حالا من الثاني لقربه منه.
وجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف هو الرؤية لا الإرادة لأن الجهرة في كتب اللغة صفة للأول لا الثاني فيقال التقدير أَرِنَا نره رؤية جهرة، وقيل: يقدر المصدر الموصوف سؤالا أي سؤالا جهرة، وقيل: قولا أي قولا جهرة، ويؤيد هذا ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: إنهم إذا رأوه فقد رأوه إنما قالوا جَهْرَةً أَرِنَا اللَّهَ تعالى فهو مقدم ومؤخر- وفيه بعد- والفاء تفسيرية فَأَخَذَتْهُمُ أي أهلكتهم لما سألوا وقالوا ما قالوا الصَّاعِقَةُ وهي نار جاءت من السماء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: الصَّاعِقَةُ الموت أماتهم الله تعالى قبل آجالهم عقوبة بقولهم ما شاء الله تعالى أن يميتهم، ثم بعثهم، وفي ثبوت ذلك تردد.
وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه- الصعقة- بِظُلْمِهِمْ أي بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤالهم لما يستحيل في تلك الحالة التي كانوا عليها، وإنكار طلب الكفار للرؤية تعنتا لا يقتضي امتناعها مطلقا، واستدل الزمخشري بالآية على الامتناع مطلقا، وبنى ذلك على كون الظلم المضاف إليهم لم يكن إلا لمجرد أنهم طلبوا الرؤية ثم قال: ولو طلبوا أمرا جائزا لما سموا به ظالمين ولما أخذتهم الصاعقة، كما سأل إبراهيم عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى فلم يسمه ظالما ولا رماه بالصواعق، ثم أرعد وأبرق ودعا على مدعي جواز الرؤية بما هو به أحق.
وأنت تعلم أن الرجل قد استولى عليه الهوى فغفل عن كون اليهود إنما سألوا تعنتا ولم يعتبروا المعجز من حيث هو مع أن المعجزات سواسية الإقدام في الدلالة ويكفيهم ذلك ظلما، والتنظير بسؤال إبراهيم عليه الصلاة والسلام من العجب العجاب كما لا يخفى على ذوي الألباب ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ وعبدوه.
مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي المعجزات التي أظهرها لفرعون من العصا واليد البيضاء، وفلق البحر وغيرها، أو الحجج الواضحة الدالة على ألوهيته تعالى ووحدته لا التوراة لأنها إنما نزلت عليهم بعد الاتخاذ فَعَفَوْنا