لزم تكذيب المسيح، وإبطال نبوته بل وسائر النبوات على أن قولهم في الفصل: إن المصلوب قال: إلهي إلهي لم تركتني وخذلتني، وهو ينافي الرضا بمرّ القضا ويناقض التسليم لأحكام الحكيم، وأنه شكا العطش وطلب الماء والإنجيل مصرح بأن المسيح كان يطوي أربعين يوما وليلة إلى غير ذلك مما لهم فيه إن صح مما ينادي على أن المصلوب هو الشبه كما لا يخفى.
فالمراد من الموصول ما يعم اليهود والنصارى جميعا لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي لفي تردد، وأصل- الشك- أن يستعمل في تساوي الطرفين وقد يستعمل في لازم معناه، وهو التردد مطلقا وإن لم يترجح أحد طرفيه وهو المراد هنا ولذا أكده بنفي العلم الشامل لذلك أيضا بقوله سبحانه: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ والاستثناء منقطع، أي لكنهم يتبعون الظن.
وجوز أن يفسر الشك بالجهل، والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزما كان أو غيره فالاستثناء حينئذ متصل، وإليه ذهب ابن عطية إلا أنه خلاف المشهور، وما قيل: إن اتباع الظن ليس من العلم قطعا فلا يتصور اتصاله فمدفوع بأن من قال به جعله بمعنى الظن المتبع وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً الضمير لعيسى عليه السلام كما هو الظاهر أي ما قتلوه قتلا يقينا، أو متيقنين، ولا يرد أن نفي القتل المتيقن يقتضي ثبوت القتل المشكوك لأنه لنفي القيد ولا مانع من أنه قتل في ظنهم فإنه يقتضي أنه ليس في نفس الأمر كذلك فلا حاجة إلى التزام جعل يقينا مفعولا مطلقا لفعل محذوف، والتقدير تيقنوا ذلك يقينا، وقيل: هو راجع إلى العلم وإليه ذهب الفراء وابن قتيبة أي وما قتلوا العلم يَقِيناً من قولهم: قتلت العلم والرأي، وقتلت كذا علما إذا تبالغ علمك فيه، وهو مجاز كما في الأساس، والمعنى ما علموه يقينا، وقيل: الضمير للظن أي ما قطعوا الظن يَقِيناً ونقل ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والسدي، وحكى ابن الأنباري أن في الكلام تقديما وتأخيرا، وأن يَقِيناً متعلق بقوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ أي بل رفعه سبحانه إليه يقينا، ورده في البحر بأنه قد نص الخليل على أنه لا يعمل ما بعد بل فيما قبلها، والكلام ردّ وإنكار لقتله وإثبات لرفعه عليه الصلاة والسلام، وفيه تقدير مضاف عند أبي حيان أي إلى سمائه، قال: وهو حي في السماء الثانية على ما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث المعراج، وهو هنالك مقيم حتى ينزل إلى الأرض يقتل الدجال ويملؤها عدلا كما ملئت جورا ثم يحيا فيها أربعين سنة أو تمامها من سنّ رفعه، وكان إذ ذاك ابن ثلاث وثلاثين سنة ويموت كما تموت البشر ويدفن في حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو في بيت المقدس، وقال قتادة: رفع الله تعالى عيسى عليه السلام إليه فكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش فصار إنسيا ملكيا سماويا أرضيا، وهذا الرفع على المختار كان قبل صلب الشبه، وفي إنجيل لوقا ما يؤيده وأما رؤية بعض الحواريين له عليه السلام بعد الصلب فهو من باب تطور الروح، فإن للقدسيين قوة التطور في هذا العالم وإن رفعت أرواحهم إلى المحل الأسنى، وقد وقع التطور لكثير من أولياء هذه الأمة، وحكاياتهم في ذلك يضيق عنها نطاق الحصر وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً لا يغالب فيما يرده حَكِيماً في جميع أفعاله فيدخل فيه تدبيراته سبحانه في أمر عيسى عليه السلام وإلقاء الشبه على من ألقاه دخولا أوليا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أي اليهود خاصة كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو هم والنصارى كما ذهب إليه كثير من المفسرين وَإِنْ نافية بمعنى ما، وفي الجار والمجرور وجهان: أحدهما أنه صفة لمبتدأ محذوف، وقوله تعالى: إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جملة قسمية، والقسم مع جوابه خبر المبتدأ ولا يرد عليه أن القسم إنشاء لأن المقصود بالخبر جوابه وهو خبر مؤكد بالقسم، ولا ينافيه كون جواب القسم لا محل له لأن ذلك من حيث كونه جوابا فلا يمتنع كونه له محل باعتبار آخر لو سلم