روحانية فلك الشمس الذي هو بمثابة قلب العالم، ولما لم يصل إلى الكمال الحقيقي الذي هو درجة المحبة لم يكن له بدّ من النزول مرة أخرى في صورة جسدانية، يتبع الملة المحمدية لنيل تلك الدرجة العلية، وحينئذ يعرفه كل أحد فيؤمن به أهل الكتاب أي أهل العلم العارفين بالمبدأ والمعاد كلهم عن آخرهم قبل موته عليه السلام بالفناء بالله عز وجل، فإذا آمنوا به يكون يوم القيامة أي يوم بروزهم عن الحجب الجسمانية وانتباههم عن نوم الغفلة شهيدا، وذلك بأن يتجلى الحق عليهم في صورته فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا وهو عبادتهم عجل الشهوات واتخاذه إلها وامتناعهم عن دخول باب حضيرة القدس واعتدائهم في السبت بمخالفة الشرع الذي هو المظهر الأعظم والاحتجاب عن كشف توحيد الأفعال ونقضهم ميثاق الله تعالى واحتجابهم عن توحيد الصفات الذي هو كفر بآيات الله تعالى إلى غير ذلك من المساويء.
مساو لو قسمن على الغواني ... لما أمهرن إلا بالطلاق
حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ عظيمة جليلة وهي ما في الجنات الثلاث أُحِلَّتْ لَهُمْ بحسب استعدادهم لولا هذه الموانع وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي طريقه الموصلة إليه سبحانه كَثِيراً أي خلقا كثيرا وهي القوى الروحانية وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وهو فضول العلم الرسمي الجدلي الذي هو كشجرة الخلاف لا ثمرة له، وكاللذات البدنية والحظوظ النفسانية وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ لما أنه الحجاب العظيم وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ أي استعمال علوم القوى الروحانية في تحصيل الخسائس الدنيوية، أو أخذ ما في أيدي العباد برذيلة الحرص والطمع لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ المستقيمون في السماع الخاص من الله سبحانه من غير معارضة النفوس واضطراب الأسرار وَالْمُؤْمِنُونَ بالإيمان العياني حال كونهم يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من الأحكام الشرعية والأسرار الإلهية وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ على أكمل وجه وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ ببذل قوامهم في أصناف الطاعة وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي بالمبدأ والمعاد، والمراد من المتعاطفات طائفة واحدة كما قدمنا أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً لا يقادر قدره فيما أعدّ لهم من الجنات إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ الآية التشبيه على حد التشبيه في قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ على قول رُسُلًا مُبَشِّرِينَ بتجليات اللطف وَمُنْذِرِينَ بتجليات القهر لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ أي لئلا يكون لهم ظهور وسلطنة بعد ما محي ذلك بإمداد الرسل وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً فيمحو صفاتهم ويفني ذواتهم حَكِيماً فيفيض عليهم من صفاته ويبقيهم في ذاته حسبما تقتضيه الحكمة لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ لتجليه فيه سبحانه أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ أي متلبسا بعلمه المحيط الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
ومن هنا علم صلّى الله عليه وسلّم ما كان وما هو كائن وَالْمَلائِكَةُ هم أصحاب النفوس القدسية يَشْهَدُونَ أيضا لعدم احتجابهم وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً لأنه الجامع ولا موجود غيره، والله تعالى الموفق للصواب.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما أنزل إليك، أو بكل ما يجب الإيمان به ويدخل ذلك فيه دخولا أوليا، والمراد بهم اليهود، وكأن الجملة لبيان حكم الله سبحانه فيهم بعد بيان حالهم وتعنتهم وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي دين الإسلام من أراد سلوكه بإنكارهم نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقولهم: لا نعرفه في كتابنا وأن شريعة موسى عليه السلام لا تنسخ، وأن الأنبياء لا يكونون إلا من أولاد هارون وداود عليهما السلام.