للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خارجتان عنها لازمتان لها لا تفارقانها، فإن كان الأول فقد نقضوا مذهبهم حيث قالوا: إن الحياة أقنوم لاختصاصها بجوهر القديم، والقدرة والإرادة غير مختصتين بذات القديم تعالى، وذلك مشعر بالمغايرة ولا اتحاد معها، وإن قالوا:

إنها لازمة لها مع المغايرة فهو ممنوع فإنه كما يجوز خلو الحي، عن العلم، فكذلك قد يجوز خلوه عن القدرة والإرادة كما في حالة النوم والإغماء مثلا، وقولهم: إنه يمتنع اجزاء الحياة عن العلم لاختصاص العلم بالمبالغة والتفضيل، فيلزم منه أن لا تكون مجزئة عن القدرة أيضا لاختصاصها بهذا النوع من المبالغة والتفضيل، وأما قولهم: بأن الكلمة حلت في المسيح وتدرعت به فهو باطل من وجهين.

الأول أنه قد تحقق امتناع حلول صفة القديم في غيره، الثاني أنه ليس القول بحلول الكلمة أولى من القول بحلول الروح وهي الحياة، ولئن قالوا: إنما استدللنا على حلول العلم فيه لاختصاصه بعلوم لا يشاركه فيها غيره، قلنا:

أولا لا نسلم ذلك. فقد روى النصارى أنه عليه السلام سئل عن القيامة فلم يجب، وقال لا يعرفها إلا الله تعالى وحده، وثانيا سلمنا لكنه قد اختص عندكم بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وبأمور لا يقدر عليها غيره من المخلوقين بزعمكم، والقدرة عندكم في حكم الحياة إما بمعنى أنها عينها أو ملازمة لها فوجب أن يقال: بحلول الحياة فيه ولم تقولوا به.

وأما قول الملكانية بالتثليث في الآلهة، وأن كل أقنوم إله فلا يخلو إما أن يقولوا: إن كل واحد متصف بصفات الإله تعالى من الوجود والحياة والعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات أو ألا يقولوا به، فإن قالوا به فهو خلاف أصلهم، وهو مع ذلك ممتنع لقيام الأدلة على امتناع إلهين، وأيضا فإنهم إما أن يقولوا: بأن جوهر القديم أيضا إله أو ألا يقولوا فإن كان الأول فقد أبطلوا مذهبهم فإنهم مجمعون على الثالوث، وبقولهم هذا يلزم التربيع، وإن كان الثاني لم يجدوا إلى الفرق سبيلا مع أن جوهر القديم أصل والأقانيم صفات تابعة، فكان أولى أن يكون إلها، وإن قالوا بالثاني فحاصله يرجع إلى منازعة لفظية، والمرجع فيها إلى ورود الشرع بجواز إطلاق ذلك، وأما قولهم: بأن الكلمة امتزجت بجسد المسيح فيبطله امتناع حلول صفات القديم بغير ذات الله تعالى، ودعواهم الاتحاد ممتنعة من جهة الدلالة والإلزام، أما الأول فإنهما عند الاتحاد إما أن يقال: ببقائهما أو بعدمهما أو ببقاء أحدهما وعدم الآخر، أما على التقدير الأول فهما اثنان كما كانا، وإن كان الثاني فالواحد الموجود غيرهما وإن كان الثالث فلا اتحاد للاثنينية وعدم أحدهما، وأما على التقدير الثاني فمن أربعة أوجه: الأول أنه إذا جاز أقنوم الجوهر القديم بالحادث، فما المانع من اتحاد صفة الحادث بالجوهر القديم؟ فلئن قالوا المانع أن اتحاد صفة الحادث بالجوهر القديم يوجب نقصه وهو ممتنع، واتحاد صفة القديم بالحادث يوجب شرفه، وشرف الحادث بالقديم غير ممتنع، قلنا: فكما أن ذات القديم تنقص باتحاد صفة الحادث بها فالأقنوم القديم ينقص باتحاده بالناسوت الحادث فليكن ذلك ممتنعا، الثاني أنه قد وقع الاتفاق على امتناع اتحاد أقنوم الجوهر القديم بغير ناسوت المسيح فما الفرق بين ناسوت وناسوت؟ فلئن قالوا: إنما اتحد بالناسوت الكلي دون الجزئي رددناه بما ستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى، الثالث أن مذهبهم أن الأقانيم زائدة على ذات الجوهر القديم مع اختصاصها به ولم يوجب قيامها به الاتحاد فأن لا يوجب اتحاد الأقنوم بالناسوت أولى.

الرابع أن الإجماع منعقد على أن أقنوم الجوهر القديم مخالف للناسوت كما أن صفة نفس الجوهر تخالف نفس العرض، وصفة نفس العرض تخالف الجوهر، فإن قالوا: بجواز اتحاد صفة الجوهر بالعرض أو صفة العرض بالجوهر حتى أنه يصير الجوهر في حكم العرض والعرض في حكم الجوهر، فقد التزموا محالا مخالفا لأصولهم، وإن قالوا: بامتناع اتحاد صفة نفس الجوهر بالعرض ونفس العرض بالجوهر مع أن العرض والجوهر أقبل للتبدل والتغير فلأن

<<  <  ج: ص:  >  >>