المكنون، ألا ترى أن البسملة إذا حصلت جملتها كان عددها سبعمائة وستة وثمانين فوافق جملها أن مثل عيسى كآدم ليس لله من شريك بحساب الألف التي بعد لامي الجلالة ولا أشرك بربي أحدا، يهدي الله لنوره من يشاء، بإسقاط ألف الجلالة، فقد أجابتك البسملة بما لم تحط به خبرا، وجاءك ما لم تستطع عليه صبرا انتهى.
وقد تقدم نظير ذلك في الباقي بعد إسقاط المكرر من حروف المعجم في أوائل السور حيث رتب الشيعي منه ما ظنه مقويا لما هو عليه أعني صراط على حقا نمسكه وقابلناه بما يبهته مرتبا من هذا الحروف أيضا فتذكر، وقرأ الحسن «إن يكون» بكسر الهمزة ورفع النون أي سبحانه ما يكون له ولد على أن الكلام جملتان.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جملة مستأنفة مسوقة لتعليل التنزيه، وبيان ذلك أنه سبحانه مالك لجميع الموجودات علويها وسفليها لا يخرج من ملكوته شيء منها، ولو كان له ولد لكان مثله في المالكية فلا يكون مالكا لجميعها، وقوله تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا إشارة إلى دليل آخر لأن الوكيل بمعنى الحافظ فإذا استقل سبحانه وتعالى في الحفظ لم يحتج إلى الولد فإن الولد يعين أباه في حياته ويقوم مقامه بعد وفاته والله تعالى منزه عن كل هذا فلا يتصور له ولد عقلا ويكون افتراؤه حمقا وجهلا.
ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ
استئناف مقرر لما سبق من التنزيه،
وروي أن وفد نجران قالوا لنبينا صلّى الله عليه وسلّم: «يا محمد لم تعيب صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى عليه السلام، قال: وأي شيء أقول فيه؟ قالوا تقول: إنه عبد الله ورسوله فنزلت»
والاستنكاف استفعال من النكف، وأصله- كما قال الراغب- من نكفت الشيء نحيته وأصله تنحية الدمع عن الخد بالأصبع، وقالوا: بحر لا ينكف أي لا ينزح، ومنه قوله:
فبانوا ولولا ما تذكر منهم ... من الخلف لم ينكف لعينيك مدمع
وقيل: النكف قول السوء، ويقال: ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف، واستفعل فيه للسلب قاله المبرد، وفي الأساس استنكف ونكف امتنع وانقبض أنفا وحمية.
وقال الزجاج: الاستنكاف تكبر في تركه أنفة وليس في الاستكبار ذلك، والمعنى لن يأنف ولن يمتنع، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لن يستكبر المسيح نْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
أي عن، أو من أن يكون عبد الله تعالى مستمرا على عبادته تعالى وطاعته حسبما هو وظيفة العبودية كيف وأن ذلك أقصى مراتب الشرف، وقد أشار القاضي عياض إلى شرف العبودية بقوله:
ومما زادني عجبا وتيها ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك: يا عبادي ... وجعلك خير خلقك لي نبيا
والاقتصار على ذكر عدم استنكافه عليه السلام عن ذلك مع أن شأنه عليه السلام المباهاة به كما تدل عليه أحواله وتفصح عنه أقواله لوقوعه في موضع الجواب عما قاله الكفرة كما علمت آنفا. وهو السر في جعل المستنكف منه كونه عليه السلام عبدا له تعالى دون أن يقال: عن عبادة الله تعالى ونحو ذلك مع إفادته- كما قيل- فائدة جليلة هي كمال نزاهته عليه السلام عن الاستنكاف بالكلية لاستمرار هذا الوصف واستتباعه وصف العبادة فعدم الاستنكاف عنه مستلزم لعدم استنكاف ذلك بخلاف وصف العبادة فإنها حالة متجددة غير مستلزمة للدوام يكفي في اتصاف موصوفها بها تحققها مرة، فعدم الاستنكاف عنها لا يستلزم عنها عدم الاستنكاف عن دوامها.
ومما يدل على عبوديته عليه السلام من كتب النصارى أن قولس قال في رسالته الثانية: انظروا إلى هذا الرسول رئيس أحبارنا يسوع المؤتمن من عند من خلقه مثل موسى عليه السلام في جميع أحواله غير أنه أفضل من موسى عليه