إحلالهم الصيد وهم حرم، بل هو يتلى عليهم في هذه الحال وفي غيرها، ونقل العلامة البيضاوي عن بعض أن النصب على الاستثناء، وذكر أن فيه تعسفا، وبينه مولانا شيخ الكل في الكل صبغة الله أفندي الحيدري عليه الرحمة بأنه لو كان استثناء لكان إما من الضمير في لَكُمْ أو في أَوْفُوا إذ لا جواز لاستثنائه من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ وعلى الأول يجب أن يخص البهيمة بما عدا الأنعام مما يماثلها، أو تبقى على العموم لكن بشرط إدارة المماثل فقط في حيز الاستثناء، وأن يجعل قوله تعالى: وَأَنْتُمْ حُرُمٌ من تتمة المستثنى بأن يكون حالا عما استكن في مُحِلِّي ليصح الاستثناء إذ لا صحة له بدون هذين الاعتبارين، فسوق العبارة يقتضي أن يقال: وهم حرم لأن الاستثناء أخرج المحلين من زمرة المخاطبين، واعتبار الالتفات هنا بعيد لكونه رافعا فيما هو بمنزلة كلمة واحدة، وعلى الثاني يجب تخصيص العقود بالتكاليف الواردة في الحج، وتأويل الكلام الطلبي بما يلزمه من الخبر مع ما يلزمه من الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بالأجنبي، وكل ذلك تعسف أي تعسف انتهى، وكأنه رحمه الله تعالى لم يذكر احتمال كون الاستثناء من الاستثناء، مع أن القرطبي نقله عن البصريين لأن ذلك فاسد- كما قاله القرطبي وأبو حيان- لا متعسف إذ يلزم عليه إباحة الصيد في الحرم لأن المستثنى من المحرم حلال، نعم ذكر أبو حيان أنه استثناء من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ على وجه عينه وأنفه التكلف والتعسف فقد قال رحمه الله تعالى: إنما عرض الإشكال في الآية حتى اضطرب الناس في تخريجها من كون رسم مُحِلِّي بالياء فظنوا أنه اسم فاعل من أحل، وأنه مضاف إلى الصيد إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة، وأصل غير محلين الصيد.
والذي يزول به الإشكال ويتضح المعنى أن يجعل قوله تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ من باب قولهم: حسان النساء، والمعنى النساء الحسان، وكذا هذا أصله غير الصيد المحل، والمحلّ صفة للصيد لا للناس، ووصف الصيد بأنه محل، إما بمعنى داخل في الحل كما تقول أحل الرجل أي دخل في الحل، وأحرم أي دخل في الحرم، أو بمعنى صار ذا حل أي حلالا بتحليل الله تعالى، ومجيء أفعل على الوجهين المذكورين كثير في لسان العرب، فمن الأول أعرق وأشأم وأيمن وأنجد وأتهم، ومن الثاني أعشبت الأرض وأبقلت، وأغد البعير، وإذا تقرر أن الصيد يوصف بكونه محلا باعتبار الوجهين اتضح كونه استثناء ثانيا، ثم إن كان المراد ب بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أنفسها فهو استثناء منقطع، أو الظباء ونحوها فمتصل على تفسير المحل بالذي يبلغ الحل في حال كونهم محرمين، «فإن قلت» ما فائدة هذا الاستثناء بقيد بلوغ الحل والصيد الذي في الحرم لا يحل أيضا؟.
قلت: الصيد الذي في الحرم لا يحل للمحرم ولا لغير المحرم، والقصد بيان تحريم ما يختص تحريمه بالمحرم.
فإن قلت: ما ذكرته من هذا التوجيه الغريب يعكر عليه رسمه في المصحف بالياء والوقف عليه بها.
قلت: قد كتبوا في المصحف أشياء تخالف النطق نحو «لأذبحنه» بالألف، والوقف اتبعوا فيه الرسم انتهى.
وتعقبه السفاقسي بمثل ما قدمناه من حيث زيادة الياء، وفيها التباس المفرد بالجمع وهم يفرّون من زيادة أو نقصان في الرسم، فكيف يزيدون زيادة ينشأ عنها لبس؟ ومن حيث إضافة الصفة للموصوف وهو غير مقيس، وقال الحلبي: إن فيه خرقا للإجماع فإنهم لم يعربوا غير إلا حالا، وإنما اختلفوا في صاحبها، ثم قال السفاقسي: ويمكن فيه تخريجان: أحدهما أن يكون غير استثناء منقطعا، ومُحِلِّي جمع على بابه، والمراد به الناس الداخلون حل الصيد، أي لكن إن دخلتم حل الصيد فلا يجوز لكم الاصطياد، والثاني أن يكون متصلا من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، وفي الكلام حذف مضاف، أي أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا صيد الداخلين حل الاصطياد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فلا يحل، ويحتمل أن يكون على بابه من التحليل، ويكون الاستثناء متصلا والمضاف محذوف، أي إلا صيد محلي الاصطياد وَأَنْتُمْ