للوجوب عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وللندب عند الشافعي، وهو على القول الأخير للندب بالاتفاق وَاتَّقُوا اللَّهَ في شأن محرماته، ومنها أكل صيد الجوارح الغير المعلمة إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ أي سريع إتيان حسابه، أو سريع إتمامه إذا شرع فيه، فقد جاء- أنه سبحانه يحاسب الخلق كلهم في نصف يوم- والمراد على التقديرين أنه جل شأنه يؤاخذكم على جميع الأفعال حقيرها وجليلها، وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وتعليل الحكم، ولعل ذكر هذا إثر بيان حكم الصيد لحث متعاطيه على التقوى لما أنه مظنة التهاون والغفلة عن طاعة الله تعالى فقد رأينا أكثر من يتعاطى ذلك يترك الصلاة ولا يبالي بالنجاسة، والمحتاجون للصيد- الحافظون لدينهم- أعز من الغراب الأبيض وهم مثابون فيه.
فقد أخرج الطبراني عن صفوان بن أمية «أن عرفطة بن نهيك التميمي قال: يا رسول الله إني وأهل بيتي مرزوقون من هذا الصيد ولنا فيه قسم وبركة وهو مشغلة عن ذكر الله تعالى، وعن الصلاة في جماعة، وبنا إليه حاجة أفتحله أم تحرمه؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: أحله لأن الله تعالى قد أحله، نعم العمل والله تعالى أولى بالعذر قد كانت قبلي رسل كلهم يصطاد أو يطلب الصيد ويكفيك من الصلاة في جماعة إذا غبت عنها في طلب الرزق حبك الجماعة وأهلها وحبك ذكر الله تعالى وأهله وابتغ على نفسك وعيالك حلالها فإن ذلك جهاد في سبيل الله تعالى»
واعلم أن عون الله تعالى في صالح التجار، واستدل بالآية على جواز تعليم الحيوان وضربه للمصلحة لأن التعليم قد يحتاج لذلك، وعلى إباحة اتخاذ الكلب للصيد وقيس به الحراسة، وعلى أنه لا يحل صيد الكلب المجوس، وإلى هذا ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد روي عنه في المسلم يأخذ كلب المجوسي أو بازه أو صقره أو عقابه فيرسله أنه قال: لا تأكله وإن سميت لأنه من تعليم المجوس، وإنما قال الله تعالى: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ إعادة هذا الحكم للتأكيد والتوطئة لما بعده، وسبب ذكر اليوم يعلم مما ذكر أمس.
وقال النيسابوري: فائدة الإعادة أن يعلم بقاء هذا الحكم عند إكمال الدين واستقراره، والأول أولى. وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ أي حلال، والمراد بالموصول اليهود والنصارى حتى نصارى العرب عندنا،
وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه استثنى نصارى بني تغلب، وقال: ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر،
وإلى ذلك ذهب ابن جبير، وحكاه الربيع عن الشافعي رضي الله تعالى عنه والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة- كما روي عن ابن عباس وأبي الدرداء وإبراهيم وقتادة والسدي والضحاك ومجاهد رضوان الله عليهم أجمعين وبه قال الجبائي والبلخي وغيرهم.
وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد به الذبائح لأن غيرها لم يختلف في حله وعليه أكثر المفسرين، وقيل:
إنه مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية وهو المروي عند الإمامية عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه،
وبه قال جماعة من الزيدية، فلا تحل ذبائحهم عند هؤلاء، وحكم الصابئين حكم أهل الكتاب عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه، وقال صاحباه: الصابئة صنفان: صنف يقرؤون الزبور ويعبدون الملائكة، وصنف لا يقرؤون كتابا ويعبدون النجوم، فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب، وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لما
روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي من طريق الحسن بن محمد بن علي قال: «كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل ومن أصر ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم»
وهو وإن كان مرسلا، وفي إسناده قيس بن الربيع- وهو ضعيف- إلا أن إجماع أكثر المسلمين- كما قال البيهقي- عليه يؤكده، واختلف العلماء في حل ذبيحة اليهودي والنصراني إذا ذكر عليها اسم