ولا المستأمن بالمستأمن استحسانا لقيام المبيح، ويقتل قياسا للمساواة، ولا الرجل بابنه
لقوله صلّى الله عليه وسلّم:«لا يقاد الوالد بولده»
وهو بإطلاقه حجة على مالك في قوله: يقاد إذا ذبحه ذبحا، ولأنه سبب لإحيائه، فمن المحال أن يستحق له إفناؤه، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن، والقصاص يستحقه المقتول أولا ثم يخلفه وارثه، والجد من قبل الرجال والنساء وإن علا في هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأم أو الأب قربت أو بعدت لما بينا، ولا الرجل بعبده ولا مدبره ولا مكاتبه ولا بعبد ولده لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص ولا ولده عليه، وكذا لا يقتل بعبد ملك بعضه لأن القصاص لا يتجزأ فليفهم، واستدل بها على ما روي عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه من أنه لا يقتل الجماعة بالواحد لقوله تعالى فيها: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ بالإفراد، وأجيب بأن حكمة القصاص- وهو صون الدماء والأحياء- اقتضت القتل، وصرف الآية عما ذكر فإنه لو كان كذلك قتلوا مجتمعين حتى يسقط عنهم القصاص، وحينئذ تهدر الدماء ويكثر الفساد كذا قيل فَمَنْ تَصَدَّقَ أي من المستحقين للقصاص بِهِ أي بالقصاص أي فمن عفا عنه، والتعبير عن ذلك بالتصدق للمبالغة في الترغيب فَهُوَ أي التصدق المذكور كَفَّارَةٌ لَهُ للمتصدق كما أخرجه ابن أبي شيبة عن الشعبي وعليه أكثر المفسرين،
وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ الآية فقال:«هو الرجل يكسر سنه أو يجرح من جسده فيعفو فيحط عنه من خطاياه بقدر ما عفا عنه من جسده، إن كان نصف الدية فنصف خطاياه، وإن كان ربع الدية فربع خطاياه، وإن كان ثلث الدية فثلث خطاياه، وإن كان الدية كلها فخطاياه كلها» .
وأخرج سعيد بن منصور وغيره عن عدي بن ثابت «أن رجلا هتم فم رجل على عهد معاوية رضي الله تعالى عنه فأعطي دية فأبى إلا أن يقتص فأعطي ديتين فأبى فأعطي ثلاثا فحدث رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: من تصدق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت»
وقيل: الضمير عائد إلى الجاني، وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه عنه ابن جرير ومجاهد وجابر فيما أخرجه عنهما ابن أبي شيبة، ومعنى كون ذلك كفارة له على هذا التقدير أنه يسقط به ما لزمه ويتعين عليه أن يكون خبر المبتدأ مجموع الشرط والجزاء حيث لم يكن العائد إلا في الشرط، وإليه ذهب العلامة الثاني، وقيل: إن في الجزاء عائدا أيضا باعتبار أن هو بمعنى تصدقه فيشتمل بحسب المعنى على ضمير المبتدأ، فالتعين ليس بمسلم، وقال بعضهم إنه يحتمل أن يكون معنى الآية أن كل من تصدق واعترف بما يجب عليه من القصاص، وانقاد له فهو كفارة لما جناه من الذنب، ويلائمه كل الملاءمة قوله تعالى:
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فضمير له حينئذ عائد إلى المتصدق مرادا به الجاني نفسه، وفيه بعد ظاهر، وقرأ أبيّ فهو كفارته له، فالضمير المرفوع حينئذ للمتصدق لا للتصدق، وكذا الضميران المجروران والإضافة للاختصاص واللام مؤكدة لذلك، أي فالمتصدق كفارته التي يستحقها بالتصدق له لا ينقص منها شيء لأن بعض الشيء لا يكون ذلك الشيء، وهو تعظيم لما فعل حيث جعل مقتضيا للاستحقاق اللائق من غير نقصان، وفيه ترغيب في العفو، والآية نزلت- كما قال غير واحد- لما اصطلح اليهود على أن لا يقتلوا الشريف بالوضيع والرجل بالمرأة، فلم ينصفوا المظلوم من الظالم، وعن السيد السند أن القصاص كان في شريعتهم متعينا عليهم فيكون التصدق مما زيد في شريعتنا، وقال الضحاك: لم يجعل في التوراة دية في نفس ولا جرح، وإنما كان العفو أو القصاص وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية.