للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء منه ألفاظ قالوا: صك الحجر الحجر، وصككت الحجر بالحجر، ودفع زيد عمرا ودفعت زيدا بعمرو أي جعلته دافعا له.

وذهب بعض المحققين إلى أن التضعيف فيما نحن فيه ليس للتعدية، وأن تعلق الجار بالفعل لتضمينه معنى المجيء أي جئنا يعيسى ابن مريم على آثارهم قافيا لهم فهو متعد لواحد لا غير بالباء، وحاصل المعنى أرسلنا عيسى عليه الصلاة والسلام وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ عطف على قَفَّيْنا، وقرأ الحسن بفتح الهمزة، ووجه صحة ذلك أنه اسم أعجمي فلا بأس بأن يكون على ما ليس في أوزان العرب، وهو بأفعيل أو فعليل بالفتح، وأما إفعيل بالكسر فله نظائر- كإبزيم وإحليل- وغير ذلك فِيهِ هُدىً وَنُورٌ كما في التوراة، والجملة في موضع النصب على أنها حال من الإنجيل، وقوله تعالى: وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ عطف على الحال وهو حال أيضا، وعطف الحال المفردة على الجملة الحالية وعكسه جائز لتأويلها بمفرد وتكرير هذا لزيادة التقرير، وقوله عز وجل: وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ عطف على ما تقدم منتظم معه في سلك الحالية، وجعل كله هدى- بعد ما جعل مشتملا عليه- مبالغة في التنويه بشأنه لما أن فيه البشارة بنبينا صلّى الله عليه وسلّم أظهر، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المهتدون بهداه والمنتفعون بجدواه، وجوز نصب هُدىً وَمَوْعِظَةً على المفعول لها عطفا على مفعول له آخر مقدر أي إثباتا لنبوته وَهُدىً إلخ، ويجوز أن يكونا معللين لفعل محذوف عامل فيه أي وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ آتيناه ذلك وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أمر مبتدأ لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائل رسالته صلّى الله عليه وسلّم وما قررته شريعته الشريفة من أحكامه، وأما الأحكام المنسوخة فليس الحكم بها حكما بما أنزل الله تعالى بل هو إبطال وتعطيل له إذ هو شاهد بنسخها وانتهاء وقت العمل بها لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة الأحمدية شاهدة بنسخها، وأن أحكامه ما قررته تلك الشريعة التي تشهد بصحتها- كما قرره شيخ الإسلام قدس سره- واختار كونه أمرا مبتدأ الجبائي، وقيل: هو حكاية للأمر الوارد عليهم بتقدير فعل معطوف على- آتيناه- أي وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، وحذف القول- لدلالة ما قبله عليه- كثير في الكلام، ومنه قوله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد: ٢٣- ٢٤] واختار ذلك علي بن عيسى.

وقرأ حمزة وَلْيَحْكُمْ بلام الجر ونصب الفعل بأن مضمرة، والمصدر معطوف على هُدىً وَمَوْعِظَةً على تقدير كونهما معللين، وأظهرت اللام فيه لاختلاف الفاعل، فإن فاعل الفعل المقدر ضمير الله تعالى، وفاعل هذا أهل الكتاب، وهو متعلق بمحذوف على الوجه الأول في هُدىً وَمَوْعِظَةً أي وآتيناه ليحكم إلخ، وإنما لم يعطف لعدم صحة عطف العلة على الحال، ومنهم من جوز العطف بناء على أن الحال هنا في معنى العلة وهو ضعيف، وقدر بعضهم في الكلام على تقدير التعليل عليه متعلقا- بأنزل- ليصح كونه علة لإيتاء عيسى عليه الصلاة والسلام ما ذكر.

وعن أبي علي أنه قرأ- وأن ليحكم- على أن- أن- موصولة بالأمر كما في قولك: أمرته بأن قم، ومعنى الوصل أن- أن- تتم بما بعدها جزء كلام كالذي وأخواته، ووصل- أن- المصدرية بفعل الأمر مما تكرر القول به في الكشاف، وذكر فيه نقلا عن سيبويه وقدر هنا أمرنا، كأنه قيل: وآتيناه الإنجيل وأمرنا بأن يحكم، وأورد على سيبويه ما دقق صاحب الكشف في الجواب عنه، وأتى بما يندفع به كثير من الأسئلة على أن المصدرية والتفسيرية وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي المتمردون الخارجون عن حكمه أو عن الإيمان، وقد مر تحقيقه، والجملة تذييل مقرر لمضمون الجملة السابقة ومؤكدة لوجوب الامتثال بالأمر. والآية تدل على أن الإنجيل مشتمل على الأحكام، وأن عيسى عليه السلام كان مستقلا بالشرع مأمورا بالعمل بما فيه من الأحكام قلت أو كثرت لا بما

<<  <  ج: ص:  >  >>