للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجب والجوهر، والعرض مع أن نسبة الوجود إلى كل غير نسبته إلى الآخر، والجهة مختلفة بلا ريب، وهذا قوله سبحانه: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يونس: ١٠٨] مع أن الدعوة واجبة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم مندوبة في غيره، ولهذا قال الأصوليون: القرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم، وعدوا هذا النوع من الاستدلال من المسالك المردودة، ثم انه أجاب عن حديث عدم وقوع التردد مع اقتضاء إِنَّما له بأنه يظهر من بعض أحاديث أهل السنة أن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم التمسوا من حضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم الاستخلاف،

فقد روى الترمذي عن حذيفة «أنهم قالوا: يا رسول الله لو استخلفت؟ قال: لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وما أقرأكم عبد الله فاقرؤوه»

وأيضا استفسروا منه عليه الصلاة والسلام عمن يكون إماما بعده صلّى الله عليه وسلّم،

فقد أخرج أحمد عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: يا رسول الله من نؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر رضي الله تعالى عنه تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر رضي الله تعالى عنه تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا- ولا أراكم فاعلين- تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الصراط المستقيم»

وهذا الالتماس والاستفسار يقتضي كل منهما وقوع التردد في حضوره صلّى الله عليه وسلّم عند نزول الآية، فلم يبطل مدلول إِنَّما انتهى، وفيه أن محض السؤال والاستفسار لا يقتضي وقوع التردد، نعم لو كانوا شاوروا في هذا الأمر ونازع بعضهم بعضا بعد ما سمعوا من النبي صلّى الله عليه وسلّم جواب ما سألوه لتحقق المدلول، وليس فليس، ومجرد السؤال والاستفسار غير مقتض- لإنما- ولا من مقاماته بل هو من مقامات- إن- والفرق مثل الصبح ظاهر، وأيضا لو سلمنا التردد، ولكن كيف العلم بأنه بعد الآية أو قبلها منفصلا أو متصلا سببا للنزول أو اتفاقيا، ولا بد من إثبات القبيلة والاتصال والسببية، وأين ذلك؟ والاحتمال غير مسموع ولا كاف في الاستدلال.

وبعد هذا كله الحديث الثاني ينافي الحصر صريحا لأنه صلّى الله عليه وسلّم في مقام السؤال عن المستحق للخلافة ذكر الشيخين، فإن كانت الآية متقدمة لزم مخالفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم القرآن أو بالعكس لزم التكذيب، والنسخ لا يعقل في الأخبار على ما قرر، ومع ذا تقدم كل على الآخر مجهول فسقط العمل.

فإن قالوا: الحديث خبر الواحد وهو غير مقبول في باب الإمامة «قلنا» وكذلك لا يقبل في إثبات التردد والنزاع الموقوف عليه التمسك بالآية، والحديث الأول يفيد أن ترك الاستخلاف أصلح فتركه- كما تفهمه الآية بزعمهم- تركه، وهم لا يجوزونه فتأمل، وذكر الطبرسي في مجمع البيان وجها آخر غير ما ذكره صاحب إظهار الحق في أن الولاية مختصة، وهو أنه سبحانه قال: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ فخاطب جميع المؤمنين، ودخل في الخطاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وغيره، ثم قال تعالى: وَرَسُولُهُ فأخرج نبيه عليه الصلاة والسلام من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، ثم قال جل وعلا: وَالَّذِينَ آمَنُوا فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلا لزم أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وأن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه وذلك محال انتهى.

وأنت تعلم أن المراد ولاية بعض المؤمنين بعضا لا أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه، وكيف يتوهم من قولك مثلا: أيها الناس لا تغتابوا الناس أنه نهي لكل واحد من الناس أن يغتاب نفسه،

وفي الخبر أيضا «صوموا يوم يصوم الناس»

ولا يختلج في القلب أنه أمر لكل أحد أن يصوم يوم يصوم الناس، ومثل ذلك كثير في كلامهم، وما قدمناه في سبب النزول ظاهر في أن المخاطب بذلك ابن سلام وأصحابه، وعليه لا إشكال إلا أن ذلك لا يعتبر مخصصا كما لا يخفى، فالآية على كل حال لا تدل على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه على الوجه الذي تزعمه الإمامية، وهو ظاهر لمن تولى الله تعالى حفظ ذهنه عن غبار العصبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>