للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناسب لما أشير إليه بذلك أي دين من لعنه الله إلخ، أو بتقدير مضاف قبل اسم الإشارة مناسب لمن أي بشر من أهل ذلك، والجملة على التقديرين استئناف وقع جوابا لسؤال نشأ من الجملة الاستفهامية- كما قال الزجاج- إما على حالها- أو باعتبار التقدير فيها فكأنه قيل: ما الذي هو شر من ذلك؟ فقيل: هو دين من لعنه إلخ، أو من الذي هو شر من أهل ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله إلخ.

وجوز- ولا ينبغي أن يجوز عند التأمل- أن يكون بدلا من شر، ولا بد من تقدير مضاف أيضا على نحو ما سبق آنفا، والاحتياج إليه هاهنا- ليخرج من كونه بدل- غلط، وهو لا يقع في فصيح الكلام، وأما في الوجه الأول فأظهر من أن يخفى، وإذا جعل ذلك إشارة إلى الأشخاص لم يحتج الكلام إلى ذلك التقدير كما هو ظاهر، ووضع الاسم الجليل موضع الضمير لتربية المهابة وإدخال الروعة وتهويل أمر اللعن وما تبعه، والموصول عبارة عن أهل الكتاب حيث أبعدهم الله تعالى عن رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات وسطوع البينات وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ أي مسخ بعضهم قردة- وهم أصحاب السبت- وبعضهم خنازير- وهم كفار مائدة عيسى عليه الصلاة والسلام- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المسخين كانا في أصحاب السبت، مسخت شبانهم قردة وشيوخهم خنازير، وضمير مِنْهُمُ راجع إلى- من- باعتبار معناه كما أن الضميرين الأولين له باعتبار لفظه، وكذا الضمير في قوله سبحانه: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ فإنه عطف على صلة- من- كما قال الزجاج، وزعم الفراء أن في الكلام موصولا محذوفا أي ومن عبد، وهو معطوف على منصوب جَعَلَ أي وجعل منهم من عبد إلخ، ولا يخفى أنه لا يصلح إلا عند الكوفيين، والمراد بالطاغوت- عند الجبائي- العجل الذي عبده اليهود، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن أنه الشيطان، وقيل: الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى، والعبادة فيما عدا القول الأول مجاز عن الإطاعة، قال شيخ الإسلام: وتقديم أوصافهم المذكورة بصدد إثبات شرية دينهم على وصفهم هذا مع أنه الأصل المستتبع لها في الوجود وأن دلالته على شريته بالذات لأن عبادة الطاغوت عين دينهم البين البطلان، ودلالتها عليها بطريق الاستدلال بشرية الآثار على شرية ما يوجبها من الاعتقاد، والعمل إما للقصد إلى تبكيتهم من أول الأمر بوصفهم بما لا سبيل لهم إلى الجحود لا بشريته وفظاعته ولا باتصافهم به، وإما للإيذان باستقلال كل من المقدم والمؤخر بالدلالة على ما ذكر من الشرية. ولو روعي ترتيب الوجود، وقيل: من عبد الطاغوت ولعنه الله وغضب عليه إلخ لربما فهم أن علية الشرية هو المجموع انتهى.

وأنت تعلم أن كون هذا الوصف أصلا غير ظاهر على ما ذهب إليه الجبائي، وأن كون الاتصاف- باللعن والغضب مما لا سبيل لهم إلى الجحود به- في حيز المنع، كيف وهم يقولون: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:

١٨] إلا أن يقال: إن الآثار المترتبة على ذلك الدالة عليه في غاية الظهور بحيث يكون إنكار مدلولها مكابرة، وقيل:

قدم وصفي اللعن والغضب لأنهما صريحان في أن القوم منقومون، ومشيران إلى أن ذلك الأمر عظيم وعقبهما بالجعل المذكور ليكون كالاستدلال على ذلك، وأردفه بعبادة الطاغوت الدالة على شرية دينهم أتم دلالة ليتمكن في الذهن أتم تمكن لتقدم ما يشير إليها إجمالا، وهذا أيضا غير ظاهر على مذهب الجبائي، ولعل رعايته غير لازمة لانحطاط درجته في هذا المقام، والظاهر من عبارة شيخ الإسلام أنه بنى كلامه على هذا المذهب حيث قال بعد ما قال: والمراد من الطاغوت العجل، وقيل: الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى، فيعم الحكم دين النصارى أيضا، ويتضح وجه تأخير عبادته عن العقوبات المذكورة إذ لو قدمت عليها لزم اشتراك الفريقين في تلك العقوبات انتهى، فتدبر حقه.

وفي الآية كما قال جمع: عدة قراءات اثنتان من السبعة وما عداهما شاذ، فقرأ الجمهور غير حمزة «عبد» على

<<  <  ج: ص:  >  >>