الحسن، ولعل نسبته إليه غير صحيحة، والذي تقتضيه البلاغة ويشهد له مساق الكلام القول الأول، ولا يبعد من قوم قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: ١٣٨] وعبدوا العجل- أن يعتقدوا اتصاف الله عز وجل بالبخل ويقولوا ما قالوا، وقال أبو القاسم البلخي: يجوز أن يكون اليهود قالوا قولا واعتقدوا مذهبا يؤدي معناه إلى أن الله تعالى عز شأنه يبخل في حال ويجود في حال آخر، فحكي عنهم على وجه التعجب منهم والتكذيب لهم.
وقال آخر: إنهم قالوا ذلك على وجه الهزء حيث لم يوسع سبحانه على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى أصحابه ولا يخفى أن ما روي في سبب النزول لا يساعد ذلك، وقيل: إنهم قالوا ذلك على سبيل الاستفهام والاستغراب، والمراد يد الله سبحانه مغلولة عنا حيث قتر المعيشة علينا، ولا يخفى بعده غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ دعاء عليهم بالبخل المذموم- كما قال الزجاج- ودعاؤه بذلك عبارة عن خلقه الشح في قلوبهم والقبض في أيديهم، ولا استحالة في ذلك على مذهب أهل الحق، ويجوز أن يكون دعاء عليهم بالفقر والمسكنة، وقيل: تغل الأيدي حقيقة، يغلون في الدنيا أسارى، وفي الآخرة معذبين في أغلال جهنم، ومناسبة هذا لما قبله حينئذ من حيث اللفظ فقط فيكون تجنيسا، وقيل: هي من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز كما تقول: سبني سب الله تعالى دابره، أي قطعه لأن السبب أصله القطع، وإلى هذا ذهب الزمخشري، واستطيبه الطيبي، وقال: إن هذه مشاكلة لطيفة بخلاف قوله:
قالوا: اقترح شيئا نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
واختار أبو علي الجبائي أن ذلك إخبار عن حالهم يوم القيامة أي شدت أيديهم إلى أعناقهم في جهنم جزاء هذه الكلمة العظيمة، وحكاه الطبرسي عن الحسن، ثم قال: فعلى هذا يكون الكلام بتقدير الفاء أو الواو، فقد تم كلامهم واستؤنف بعده كلام آخر، ومن عادتهم أن يحذفوا فيما يجري هذا المجرى، ومن ذلك قوله: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً [البقرة: ٦٧] ، وأنت تعلم أن مثل هذا على الاستئناف البياني، ولا حاجة فيه إلى تجشم مؤونة التقدير، على أن كلام الحسن- فيما نرى- ليس نصا في كون الجملة إخبارية إذ قصارى ما قال: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ في جهنم وهو محتمل لأن يكون دعاء عليهم بذلك وَلُعِنُوا أي أبعدوا عن رحمة الله تعالى وثوابه بِما قالُوا أي بسبب قولهم، أو بالذي قالوه من ذلك القول الشنيع، وهذا دعاء ثان معطوف على الدعاء الأول، والقائل بخبريته قائل بخيريته، وقرىء وَلُعِنُوا بسكون العين.
بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ عطف على مقدر يقتضيه المقام أي كلا ليس الشأن كما زعموا بل في غاية ما يكون من الجود، وإليه- كما قيل- أشير بتثنية اليد، فإن أقصى ما تنتهي إليه همم الأسخياء أن يعطوا بكلتا يديهم، وقيل:
اليد هنا أيضا بمعنى النعمة، وأريد بالتثنية نعم الدنيا ونعم الآخرة، أو النعم الظاهرة والنعم الباطنة أو ما يعطى للاستدراج وما يعطى للإكرام، وقيل: وروي عن الحسن أنها بمعنى القدرة كاليد الأولى، وتثنيتها باعتبار تعلقها بالثواب وتعلقها بالعقاب، وقيل: المراد من التثنية التكثير كما في ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك: ٤] والمراد من التكثير مجرد المبالغة في كمال القدرة وسعتها لا أنها متعددة، ونظير ذلك قول الشاعر:
فسرت أسرة طرتيه فغورت ... في الخصر منه وأنجدت في نجده
فإنه لم يرد أن لذلك الرشا طرتين إذ ليس للإنسان إلا طرة واحدة وإنما أراد المبالغة.
وقال سلف الأمة رضي الله تعالى عنهم: إن هذا من المتشابه، وتفويض تأويله إلى الله تعالى هو الأسلم، وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أثبت لله عز وجل يدين،
وقال:«وكلتا يديه يمين»
ولم يرو عن أحد من أصحابه صلّى الله عليه وسلّم وعليهم أنه