قال:«سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لأكثم بن الجون: يا أكثم عرضت على النار فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا به منك فقال: أكثم أخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا إنك مؤمن وهو كافر أنه أول من غير دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامي، وجاء في خبر آخر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه- ووصل الوصيلة-.
وأخرج عبد الرزاق وغيره عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني لأعرف أول من سبب السوائب ونصب النصب وأول من غير دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام:
عمرو بن لحي أخو بني كعب لقد رأيته يجر قصبه في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه وأني لأعرف أول من بحر البحائر قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما وحرم ألبانهما وظهورهما وقال: هاتان لله ثم احتاج إليهما فشرب ألبانهما وركب ظهورهما فلقد رأيته في النار وهما تقضمانه بأفواههما وتطآنه بإخفافهما
واستدل بالآية على تحريم هذه الأمور وهو ظاهر واستنبط منه تحريم جميع تعطيل المنافع.
واستدل ابن الماجشون بها على منع أن يقول الرجل لعبده: أنت سائبة وقال: لا يعتق بذلك.
وجعل بعض العلماء من صور السائبة إرسال الطير ونحوه، وصرح بعض علمائنا بأنه لا ثواب في ذلك ولعل الجاعل لا يكتفي بهذا القدر ويدعي الإثم فيه والناس عن ذلك غافلون وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ أن ذلك افتراء باطل فما تقدم فعل الرؤساء وهذا شأن الأتباع وهم المراد بالأكثر كما روي عن قتادة. والشعبي، وظاهر سياق النظم الكريم إنهم المقلدون لأسلافهم المفترين من معاصري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهذا بيان لقصور عقولهم وعجزهم عن الاهتداء بأنفسهم.
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي للذين عبر عنهم بأكثرهم على سبيل الهداية والإرشاد إلى الحق: تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ من الكتاب المبين للحلال والحرام والإيمان به وَإِلَى الرَّسُولِ الذي أنزل عليه ذلك لتقفوا على حقيقة الحال وتميزوا الحرام من الحلال قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا في هذا الشأن فلا نلتفت لغيره بيان لعنادهم واستعصائهم على الهادي إلى الحق وانقيادهم للداعي إلى الضلال، وما موصولة اسمية، وجوز أن تكون نكرة موصوفة والوجدان المصادفة وعَلَيْهِ متعلق به أو حال من مفعوله، وجوز أن يكون بمعنى العلم و «عليه» عليه في موضع المفعول الثاني أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ذهب الراغب إلى أن الواو للعطف، وصرح غير واحد أنه على شرطية أخرى مقدرة قبلها والهمزة للتعجيب وهي داخلة على مقدر في الحقيقة أي أيكفيهم ذلك لو لم يكن آباؤهم جهلة ضالين ولو كانوا كذلك وكلتا الجملتين في موقع الحال أي أيكفيهم ما وجدوا عليه آباءهم كائنين على كل حال مفروض، وعلى هذا لا يلزم كون الجملة الاستفهامية الإنشائية حالا ليحتاج توجيه ذلك إلى نظر دقيق، وحذفت الجملة الأولى للدلالة عليها دلالة واضحة وهو حذف مطرد في هذا الباب لذلك كما في قولك: أحسن إلى زيد ولو أساء إليك فإن الشيء إذا تحقق عند المانع فلأن يتحقق عند عدمه أولى.
وجواب- لو- كما قال أبو البقاء- محذوف لظهور انفهامه مما سبق وقدره يتبعونهم. ويجوز أن يقدر حسبهم ذلك أو يقولون، وما في لو من معنى الامتناع والاستبعاد إنما هو بالنظر إلى زعمهم لا في نفس الأمر، وفائدة ذلك المبالغة في الإنكار والتعجيب، وقيل: الواو للحال والهمزة لإنكار الفعل على هذه الحال والمراد نفي صحة الاقتداء بالجاهل الضال، والحال ما يفهم من الجملة أي كائنين على هذا الحال المفروض فما قيل: إنهم جعلوا الواو للحال وليس ما دخلته الواو حالا من جهة المعنى بل ما دخلته لو أي ولو كان الحال أن آباءهم لا يعلمون فيفعلون ما يقتضيه