للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلة التأمل وَلَوْ كانَ المقسم له المدلول عليه بفحوى الكلام ذا قُرْبى أي قريبا منا. وهذا تأكيد لتبريهما من الحلف الكاذب ومبالغة في التنزه عنه كأنهما قالا: لا نأخذ لأنفسنا بدلا من ذلك مالا ولو انضم إليه رعاية جانب الأقرباء فكيف إذا لم يكن كذلك، وصيانة أنفسهما وإن كانت أهم من رعاية جانب الأقرباء لكنها- كما قال شيخ الإسلام- ليست ضميمة المال بل هي راجعة إليه، وقيل: الضمير للمشهود له على معنى لا نحابي أحدا بشهادتنا ولو كان قريبا منا، وجواب لو محذوف اعتمادا على ما سبق عليه أي لا نشتري به ثمنا، والجملة معطوفة على جملة أخرى محذوفة أي لو لم يكن ذا قربى ولو كان إلخ، وجعل السمين الواو للحال، وقد تقدم لك ما ينفعك هنا.

وجوز بعضهم إرجاع الضمير للشاهد وقدر جوابا للو غير ما قدرنا أي ولو كان الشاهد قريبا يقسمان، وجعل فائدة ذلك دفع توهم اختصاص الاقسام بالأجنبي، ولا يخفى ما في التركيب حينئذ من الركاكة التي لا ينبغي أن تكون في كلام هذا البعض فضلا عن كلام رب الكل، ونشهد بالله سبحانه وتعالى أن حمل كلامه عز وجل على مثل ذلك مما لا يليق وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ أي الشهادة التي أمرنا سبحانه وتعالى بإقامتها وألزمنا أداءها فالإضافة للاختصاص أو لأدنى ملابسة، والجملة معطوفة على لا نَشْتَرِي بِهِ داخل معه في حيز القسم. وروي عن الشعبي أنه وقف على «شهادة» بالهاء ثم ابتدأ آلله بالمد والجر على حذف حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه وليس هذا من حذف حرف الجر وإبقاء عمله وهو شاذ كقوله: أشارت كليب بالأكف الأصابع. لأن ذلك حيث لا تعويض، وفي الجلالة الكريمة تعويض همزة الاستفهام عن المحذوف، وهل الجر به أو بالعوض قولان. وروي عنه وكذا عن الحسن رضي الله تعالى عنه ويحيى بن عمر، وابن جرير، وآخرين «الله» بدون مد. وفي ذلك احتمالان.

الأول أن الحذف من غير عوض فيكون على خلاف القياس، الثاني أن الهمزة المذكورة همزة الاستفهام وهي همزة قطع عوضت عن الحرف ولكنها لم تمد وهذا أولى من دعوى الشذوذ. ولذا اختاره في الدر المصون، وقرىء بتنوين الشهادة ووصل الهمزة ونصب اسم الله تعالى من غير مد. وخرجه أبو البقاء على أنه منصوب بفعل القسم محذوفا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ أي إذا فعلنا ذلك وكتمنا، والعدول عن آثمون إلى ما ذكر للمبالغة. وقرىء «لملاثمين» بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام النون فيها فَإِنْ عُثِرَ أي اطلع يقال عثر الرجل على الشيء عثورا إذا اطلع عليه.

وقال الغوري: تقول عثرت إذا اطلعت على ما كان خفيا وهو مجاز بحسب الأصل من قولهم: عثر إذا كبا.

وذلك أن العاثر ينظر إلى موضع عثاره فيعرفه ويطلع عليه، وقال الليث: إن مصدر عثر بمعنى اطلع العثور وبمعنى كبا العثار وحينئذ يخفى القول بالمجاز لأن اختلاف المصدر ينافيه فلا تتأتى تلك الدعوى إلا على ما قاله الراغب من اتحاد المصدرين، وفي القاموس عثر كضرب، ونصر، وعلم وكرم عثر أو عثير أو عثارا كبا. والعثور الاطلاع كالعثر.

وظاهر هذا أن لا مجاز. ويفهم منه أيضا الاتحاد في بعض المصادر فافهم، والمراد فإن عثر بعد التحليف عَلى أَنَّهُمَا أي الشاهدين الحالفين اسْتَحَقَّا إِثْماً أي فعلا ما يوجبه من تحريف وكتم بأن ظهر بأيديهما شيء من التركة وادعيا استحقاقهما له بوجه من الوجوه، وقال الجبائي: الكلام على حذف مضاف أي استحقا عقوبة إثم فَآخَرانِ أي فرجلان آخران. وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: يَقُومانِ مَقامَهُما والفاء جزائية وهي إحدى مصوغات الابتداء بالنكرة. ولا محذور في الفصل بالخبر بين المبتدأ وصفته وهو قوله سبحانه: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ، وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف أي فالشاهدان آخران، وجملة يَقُومانِ صفته والجار والمجرور صفة أخرى وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من ضمير يَقُومانِ، وقيل: هو فاعل فعل محذوف أي

<<  <  ج: ص:  >  >>