للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله سبحانه لشهادتهما أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم وأخذ الجام وفيهم نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ،

هذا وادعى بعض المحققين أن الشهادة هاهنا لا يمكن أن تكون بمعناها المتبادر بوجه ولا تتصور لأن شهادتهما إما على الميت ولا وجه لها بعد موته وانتقال الحق إلى الورثة وحضورهم أو على الوارث المخاصم وكيف يشهد الخصم على خصمه فلا بد من التأويل، وذكر أن الظاهر أن تحمل في قوله سبحانه شَهادَةُ بَيْنِكُمْ على الحضور أو الإحضار أي إذا حضر الموت المسافر فليحضر من يوصي إليه بإيصال ماله لوارثه مسلما فإن لم يجد فكافرا، والاحتياط أن يكونا اثنين فإذا جاءا بما عندهما وحصل ريبة في كتم بعضه فليحلفا لأنهما مودعان مصدقان بيمينهما فإن وجد ما خانا فيه وادعيا أنهما تملكاه منه بشراء ونحوه ولا بينة لهما على ذلك يحلف المدعى عليه على عدم العلم بما ادعياه من التملك وأنه ملك لمورثهما لا نعلم انتقاله عن ملكه، والشهادة الثانية بمعنى العلم المشاهد أو ما هو بمنزلته لأن الشهادة المعاينة فالتجوز بها عن العلم صحيح قريب، والشهادة الثالثة إما بهذا المعنى أو بمعنى اليمين، وعلى هذا وهو مما أفاضه الله تعالى علي ببركة كلامه سبحانه فلا نسخ في الآية ولا إشكال، وما ذكروه كله تكلف لم يصف من الكدر لذوق ذائق، وسبب النزول وفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم مبين لما ذكر انتهى.

ولعل تخصيص الاثنين اللذين يحلفان بأحقية شهادتهما على ما قبل لخصوص الواقعة وإلا فإن كان الوارث واحدا حلف وإن تعدد حلف المتعدد كما بين في الكتب الفقهية، وما ذكر من أن سبب النزول إلخ مبين لما قرره فيه بعض خفاء إذ ليس في الخبر أن الوارثين حلفا على عدم العلم، وفي غيره ما هو نص في الحلف على الثبات، فقد روي في خبر أطول مما تقدم أن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميين قاما فحلفا بالله سبحانه بعد العصر أنهما أي تميما وعديا كذبا وخانا، نعم قال الترمذي في الجامع بعد روايته لذلك الخبر: إنه حديث غريب. وليس إسناده بصحيح، وأيضا في حمل الشهادة على شيء مما ذكره في قوله سبحانه وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ خفاء، وادعى هو نفسه أن حمل الشهادة على اليمين بعيد لأنها إذا أطلقت فهي المتعارفة فتأمل، فقد قال الزجاج: إن هذه الآية من أشكل ما في القرآن، وقال الواحدي: روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: هذه الآية أعضل ما في هذه السورة من الأحكام، وقال الإمام: اتفق المفسرون على أن هذه الآية في غاية الصعوبة إعرابا ونظما وحكما. وقال المحقق التفتازاني: اتفقوا على أن هذه الآية أصعب ما في القرآن حكما وإعرابا ونظما.

وقال الشهاب: اعلم أنهم قالوا: ليس في القرآن أعظم إشكالا وحكما وإعرابا وتفسيرا من هذه الآية والتي بعدها يعني يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ وقوله تعالى فَإِنْ عُثِرَ إلخ حتى صنفوا فيها تصانيف مفردة قالوا: ومع ذلك لم يخرج أحد من عهدتها. وذكر الطبرسي أن الآيتين من أعوص القرآن حكما ومعنى وإعرابا وافتخر بما أتى فيهما ولم يأت بشيء إلى غير ذلك من أقوالهم وسبحان الخبير بحقائق كلامه ذلِكَ كلام مستأنف سيق لبيان أن ما ذكر مستتبع للمنافع وارد على مقتضى الحكمة والإشارة إلى الحكم السابق تفصيله، وقيل: إلى تحليف الشاهدين، وقيل: إلى الحبس بعد الصلاة أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أي أقرب إلى أن يؤدي الشهود الشهادة على حقيقتها من غير تغيير لها خوفا من العذاب الأخروي، وهذه حكمة التحليف الذي تقدم أولا، والجار الأول متعلق بيأتوا والثاني بمحذوف وقع حالا من الشهادة، وقوله تعالى: أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ أي إلى الورثة فيحلفوا بَعْدَ أَيْمانِهِمْ التي حلفوها عطف على مقدر ينبىء عنه المقام كأنه قيل: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة محققة ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة المحرمة في سائر الأديان أو يخافوا أن ترد الايمان إلى الورثة فيحلفوا ويأخذوا ما في أيديهم

<<  <  ج: ص:  >  >>