للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُكُمْ

[المؤمنون: ٢٤] وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [المؤمنون: ٢٤] فأجيبوا عن قولهم الأول بقوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً إلخ وعن قولهم الأخير بما ذكر فضمير جَعَلْناهُ للرسول المنزل إلى القوم، ولا يخفى أن جعله جوابا عن اقتراح آخر غير ظاهر من النظم الكريم ولا داعي إليه أصلا.

وبعضهم جعله جوابا آخر وجعل الضمير للمطلوب واعترض بأن المطلوب أيضا ملك ولا معنى لقولنا لو جعلنا الملك ملكا إلا أن يقال: المراد لو جعلنا المطلوب ملكيته ملكا، وتعقب بأن المطلوب هو النازل المقارن للرسول صلّى الله عليه وسلّم وحينئذ لا غبار في الكلام خلا أن لزوم جعل الملك النازل رجلا لجعله ملكا كما هو مفهوم الآية الثانية ينافي لزوم هلاكهم له كما هو مفهوم الآية الأولى لتوقف الثاني على عدم الأول لأن مبناه على نزوله في صورته لا في صورة رجل. فحينئذ يجب أن تكون الآية جوابا عن اقتراح آخر لا جوابا آخر عن الاقتراح الأول حتى لا يلزم المنافاة.

وأجيب بأنه على تقدير كونه جوابا آخر يكون جوابا على طريق التنزل، والمعنى ولو أنزلناه كما اقترحوا لهلكوا ولو فرضنا عدم هلاكهم فلا بد من تمثله بشرا لأنهم لا يطيقون رؤيته على صورته الحقيقية فيكون الإرسال لغوا لا فائدة فيه، وأنت تعلم أن ما عولنا عليه وهو المروي عن حبر الأمة سالم عن مثل هذه الاعتراضات. نعم ذكر بعض الفضلاء إشكالا وهو أن المقرر عند أهل الميزان أن صدق العكس لازم لصدق الأصل فعلى هذا يلزم من كذب اللازم كذب الملزوم فهاهنا عكس القضية الصادقة وهي لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا غير صادق إذ هو لو جعلناه رجلا لجعلناه ملكا ولا خفاء في عدم تحققه فإن الله تعالى قد جعله رجلا ولم يجعله ملكا «والجواب» بأن ما ذكره أهل الميزان اصطلاح طار فلا يجب موافقة قاعدتهم لقاعدة أهل اللسان غير مرضي فإنه قد تقرر أن تلك القاعدة غير مخالفة لقاعدة اللغة وأنها مما لا خلاف فيه.

وأجيب عن ذلك بعد تمهيد مقدمة وهي أن للو الشرطية استعمالين لغويا وهي فيه لانتفاء الثاني لانتفاء الأول كما في لو جئتني أكرمتك ومفهوم القضية عليه الاخبار بأن شيئا لم يتحقق بسبب عدم تحقق شيء آخر، وعرفيا تعارفه الميزانيون فيما بينهم وذلك أنهم جعلوها من أدوات الاتصال لزوميا واتفاقيا وصدق القضية التي هي فيها بمطابقة الحكم باللزوم للواقع وكذبها بعدمها ويحكمون بكذبها وإن تحقق طرفاها إذا لم يكن بينهما لزوم وقد استعملها اللغويون أيضا في هذا المعنى إما بالاشتراك أو بالمجاز كما يقال: لو كان زيد في البلد لرآه أحد.

وفي بعض الآثار لو كان الخضر حيا لزارني،

ومن البين أن المقصود الاستدلال بالعدم على العدم لا الدلالة على أن انتفاء الثاني سبب انتفاء الأول، وجعلوا من هذا الاستعمال لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] .

وقد اشتبه هذان الاستعمالان على ابن الحاجب حتى قال ما قال بأن قول المستشكل: إن عكس القضية الصادقة إلخ إن أراد به أن القضية الصادقة هي المأخوذة باعتبار الاستعمال الأول فلا نسلم أن عكسه ما ذكر فإن عكس لو جئتني أكرمتك ليس لو أكرمتك لجئتني وإنما يكون كذلك لو كان الحكم في هذا الاستعمال بين الشرط والجزاء بالاتصال وليس كذلك بل القضية هي الجملة الجزائية والشرط قيد لها كما صرح به السكاكي على أن بعض أئمة التفسير قالوا: المراد من الآية ولو جعلناه ملكا لجعلناه على صورة رجل وأن المقصود بيان انتقاض غرضهم من قولهم:

لولا أنزل عليه ملك يعني أن نزول الملك لا يجديهم لأنهم وهم هم لا يقدرون على مشاهدة الملك على صورته التي هو عليها إلا أن يجعله متمثلا على صورة البشر في مرتبة من مراتب التنزل حتى تحصل لهم معه مناسبة فيروه فتكون الآية على هذا بمراحل عن أن يبحث فيها عن أن عكسها. ماذا أو كيف حالها في الصدق والكذب فإنها لم تسق لبيان لزوم الجعل الثاني للجعل الأول حتى يستدل بالعدم على العدم أو بالوجود على الوجود فنسبة هذا البحث إلى الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>