للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت تعلم أن هذا السؤال يندفع بحمل الخسران على ما ذكرناه، ولعله أولى مما في الكشاف لما فيه من الدغدغة، والجملة كما قال غير واحد تذييل مسوق من جهته تعالى لتقبيح حالهم غير داخلة تحت الأمر.

وقيل: الظاهر على تقدير الابتداء عطف الجملة على لا رَيْبَ فِيهِ فيحتاج الفصل إلى تكلف تقدير سؤال كأنه قيل: فلم يرتاب الكافرون به؟ فأجيب بأن خسرانهم أنفسهم صار سببا لعدم الإيمان، وجوز على ذلك التقدير كون الجملة حالية وهو كما ترى.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي سماوات عالم الأرواح وأرض عالم الجسم، ويقال: الروح سماء القلب لأن منها ينزل غيث الإلهام والقلب أرضها لأنه فيه ينبت زهر الحكمة ونور المعرفة وَجَعَلَ الظُّلُماتِ أي وأنشأ في عالم الجسم ظلمات المراتب التي هي حجب ظلمانية للذات المقدس وأنشأ في عالم الأرواح نور العلم والإدراك، ويقال: الظلمات الهواجس والخواطر الباطلة والنور الإلهام. وقال بعضهم: الظلمات أعمال البدن والنور أحوال القلب. ثم بعد ظهور ذلك الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ غيره ويثبتون معه سبحانه وتعالى من يساويه في الوجود وهو الله الذي لا نظير له في سائر صفاته هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ وهو طين المادة الهيولانية ثُمَّ قَضى أَجَلًا أي حدا معينا من الزمان إذا بلغه السالك إلى ربه سبحانه وتعالى فنى فيه عز شأنه وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهو البقاء بعد الفناء، وقيل: الأجل الأول هو الذي يقتضيه الاستعداد طبعا بحسب الهوية وهو المسمى أجلا طبيعيا للشخص بالنظر إلى مزاجه الخاص وتركيبه المخصوص بلا اعتبار عارض من العوارض الزمانية. ونكر لأنه من أحكام القضاء السابق الذي هو أم الكتاب وهي كلية منزهة عن التشخصات إذ محلها الروح الأول المقدس. والأجل الثاني هو الأجل المقدر الزماني الذي يقع عند اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع وهو مثبت في كتاب النفس الفلكية التي هي لوح القدر ثُمَّ أَنْتُمْ بعد ما علمتم ذلك تَمْتَرُونَ وتشكون في تصرفه فيكم كما يشاء وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ أي سواء ألوهيته بالنسبة إلى العالم العلوي والسفلي يَعْلَمُ سِرَّكُمْ في عالم الأرواح وهو عالم الغيب وَجَهْرَكُمْ في عالم الأجسام وهو عالم الشهادة وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ فيهما من العلوم والحركات والسكنات وغيرها فيجازيكم بحسبها، وقيل: المعنى يعلم جولان أرواحكم في السماء لطلب معادن الأفراح وتقلب أشباحكم في الأرض لطلب الوسيلة إلى مشاهدته ويعلم ما تحصلونه بذلك وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ الأنفسية والآفاقية إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ لسوء اختيارهم وعمى أعينهم عن مشاهدة أنوار الله تعالى الساطعة على صفحات الوجود وَقالُوا لضعف يقينهم لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ فنراه لتزول شبهتنا وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ أي أمر هلاكهم لعدم قدرتهم على تحمل مشاهدته وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا ليمكنهم مشاهدته قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ما في العالمين قُلْ لِلَّهِ إيجادا وإفناء كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.

قال سيدي الشيخ الأكبر قدس الله تعالى سره: إن رحمة الله تعالى عامة وهي نعمة الامتنان التي تنال من غير استحقاق. وهي المرادة في قوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: ١٥٩] وإليها الإشارة بالرحمن في البسملة. وخاصة وهي الواجبة المرادة بقوله تعالى: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف: ١٥٦] وإليها الإشارة بالرحيم فيها. ويشير كلامه قدس الله تعالى سره في الفتوحات إلى أن ما في الآية هو الرحمة الخاصة، ومقتضى السياق أنها الرحمة العامة.

وذكر قدس الله تعالى سره في أثناء الكلام على الرحمة وقول الله عز شأنه يوم القيامة

«شفعت الملائكة

<<  <  ج: ص:  >  >>