للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له، ونقل في الكشف أنه إن جعل تمام الجواب عند قوله سبحانه: اللَّهُ فهو للتسلق من إثبات التوحيد إلى إثبات النبوة بأن هذا الشاهد الذي لا أصدق منه شهد لي بإيحاء هذا القرآن. وإن جعل الكلام بمجموعه الجواب فهو من الأسلوب الحكيم لأن الوهم لا يذهب إلى أن هذا الشاهد يحتمل أن يكون غيره تعالى بل الكلام في أنه يشهد لنبوته أولا فليفهم وَأُوحِيَ إِلَيَّ من قبله تعالى: هذَا الْقُرْآنُ العظيم الشاهد بصحة رسالتي لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ بما فيه من الوعيد. واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة لأنه المناسب للمقام، وقيل: إن الكلام مع الكفار وليس فيهم من يبشر، وفي الدر المصون أن الكلام على حد سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] وَمَنْ بَلَغَ عطف على ضمير المخاطبين أي لأنذركم به يا أهل مكة وسائر من بلغه القرآن ووصل إليه من الأسود والأحمر أو من الثقلين أو لأنذركم به أيها الموجودون ومن سيوجد إلى يوم القيامة. قال ابن جرير: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا صلّى الله عليه وسلّم.

وأخرج أبو نعيم وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بلغه القرآن فكأنما شافهته»

واستدل بالآية على أن أحكام القرآن تعم الموجودين يوم نزوله ومن سيوجد بعد إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. واختلف في ذلك هو بطريق العبارة في الكل أو بالإجماع في غير الموجودين وفي غير المكلفين. فذهب الحنابلة إلى الأول والحنفية إلى الثاني وتحقيقه في الأصول. وعلى أن من لم يبلغه القرآن غير مؤاخذ بترك الأحكام الشرعية، ويؤيده ما

أخرجه أبو الشيخ عن أبي بن كعب قال «أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأسارى فقال لهم: هل دعيتم إلى الإسلام؟ فقالوا: لا فخلى سبيلهم ثم قرأ وَأُوحِيَ إِلَيَّ الآية»

وهو مبني على القول بالمفهوم كما ذهب إليه الشافعية، واعترض بأنه لا دلالة للآية على ذلك بوجه من الوجوه لأن مفهومها انتفاء الإنذار بالقرآن عمن لم يبلغه وذلك ليس عين انتفاء المؤاخذة وهو ظاهر ولا مستلزما له خصوصا عند القائلين بالحسن والقبح العقليين إلا أن يلاحظ قوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: ١٥] وفيه أن عدم استلزام انتفاء الإنذار بالقرآن لانتفاء المؤاخذة ممنوع، والحسن والقبح العقليان قد طوى بساط ردهما، وجوز أن يكون مَنْ عطفا على الفاعل المستتر في لِأُنْذِرَكُمْ للفصل بالمفعول أي لأنذركم أنا بالقرآن وينذركم به من بلغه القرآن أيضا، وروى الطبرسي ما يقتضيه عن العياشي عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما ولا يخفى أنه خلاف المنساق إلى الذهن.

أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى جملة مستأنفة أو مندرجة في القول والاستفهام للتقرير أو للإنكار، وقيل: لهما، وفيه جمع بين المعاني المجازية وأُخْرى صفة لآلهة. وصفة جمع ما لا يعقل- كما قال أبو حيان- كصفة الواحدة المؤنثة نحو مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] ولله تعالى الأسماء الحسنى. ولما كانت الآلهة حجارة وخشبا مثلا أجريت هذا المجرى تحقيرا لها قُلْ لهم لا أَشْهَدُ بذلك وإن شهدتم به فإنه باطل صرف.

قُلْ تكرير للأمر للتأكيد إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ أي بل إنما أشهد أنه تعالى لا إله إلا هو وما كافة.

وجوز أبو البقاء- وزعم أنه الأليق بما قبله- كونها موصولة ويبعده كونها موصولة وعليه يكون واحِدٌ خبرا وهو خلاف الظاهر وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ من الأصنام أو من إشراككم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ جواب عما سبق في الرواية الأولى من قولهم: سألنا اليهود والنصارى إلخ أخر عن تعيين الشهيد مسارعة إلى الجواب عن تحكمهم بقولهم: أرنا من يشهد لك فالمراد من الموصول ما يعم الصنفين اليهود والنصارى ومن الكتاب جنسه الصادق على التوراة والإنجيل، وإيرادهم بعنوان إيتاء الكتاب للإيذان بمدار ما أسند إليهم بقوله تعالى: يَعْرِفُونَهُ أي يعرفون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحليته ونعوته المذكورة فيهما، وفيه التفات، وقيل: الضمير للكتاب، واختاره أبو البقاء. والأول

<<  <  ج: ص:  >  >>