للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالدابة انتهى. وأنت تعلم أن هذا مشعر باعتبار العرف أيضا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ كأن كذب بالقرآن الذي من جملته الآية الناطقة بأن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أو بسائر المعجزات التي أيد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن سماها سحرا، وعد من ذلك تحريف الكتاب وتغيير نعوته صلّى الله عليه وسلّم التي ذكرها الله تعالى فيه، وإنما ذكر أَوْ وهم جمعوا بين الأمرين إيذانا بأن كلّا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس، وقيل: نبه بكلمة أَوْ على أنهم جمعوا بين أمرين متناقضين يعني أنهم أثبتوا المنفي ونفوا الثابت، والمراد بالمتناقضين أمران من شأنهما أن لا يجمع بينهما عرفا. أو يقال: إن من نفى الثابت بالبرهان يكون بنفي ما لم يثبت به أولى، كذلك في الطرف الآخر فالجمع بينهما جمع بين المتناقضين من هذا الوجه.

وادعى بعضهم أن وجه التناقض المشعر به هذا العطف أن الافتراء على الله تعالى دعوى وجوب القبول بلا حجة ما ينسب إليه تعالى وتكذيب الآيات دعوى أنه يجب أن لا يقبل ما ينسب إليه تعالى ولو أقيم عليه بينة ويجب أن ينكر التنبيه ويرتكب المكابرة بناء على أن الرسول يجب أن يكون ملكا.

ولا يخفى أن في دعوى التناقض خفاء، وهذه التوجيهات لا ترفعه إِنَّهُ أي الشأن، والمراد أن الشأن الخطير هذا وهو لا يُفْلِحُ أي لا يفوز بمطلوب ولا ينجو من مكروه الظَّالِمُونَ من حيث إنهم ظالمون فكيف يفلح الأظلم من حيث إنه أظلم وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً منصوب على الظرفية بمضمر يقدر مؤخرا وضمير نَحْشُرُهُمْ للكل أو للعابدين للآلهة الباطلة مع معبوداتهم وجَمِيعاً خال منه أي ويوم نحشر كل الخلق أو الكفار وآلهتهم جميعا ثم نقول لهم ما نقول كان كيت وكيت. وترك هذا الفعل من الكلام ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف والتهويل. وقدر ماضيا ليدل على التحقيق ويحسن عطف ثُمَّ لَمْ تَكُنْ إلخ عليه، وجوز نصبه على المفعولية بمضمر مقدر أي واذكر لهم للتخويف والتحذير يوم نحشرهم. واختاره أبو البقاء، وقيل: التقدير ليتقوا أو ليحذروا يوم نحشرهم إلخ ثُمَّ نَقُولُ للتوبيخ والتقريع على رؤوس الأشهاد لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا بالله تعالى ما لم ينزل به سلطانا: أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله عز اسمه فالإضافة لأدنى ملابسة وأَيْنَ للسؤال عن غير الحاضر، وظاهر قوله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ [الصافات: ٢٢] وغيره من الآيات يقتضي حضورهم معهم في المحشر فأما أن يقال: إن هذا السؤال حين يحال بينهم بعد ما شاهدوهم ليشاهدوا خيبتهم كما قيل:

كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت

وإما أن يقال: إنه حال مشاهدتهم لهم لكنهم لما لم ينفعوهم نزلوا منزلة الغيب كما تقول لمن جعل أحدا ظهيرا يعينه في الشدائد إذا لم يعنه وقد وقع في ورطة بحضرته أين زيد؟ فتجعله لعدم نفعه وإن كان حاضرا كالغائب أو الكلام على تقدير مضاف أي أين نفعهم وجدواهم؟، والتزم بعضهم القول بأنهم غيب لظاهر لسؤال، وقوله تعالى:

وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ إلى قوله سبحانه: وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام: ٩٤] . وأجيب أن يكون ذلك في موطن آخر جمعا بين الآيات أو المعنى وما نرى شفاعة شفعائكم.

وقال شيخ الإسلام: إن هذا السؤال المنبئ عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها للآيات الدالة على ذلك إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبري من الجانبين وتقطع ما بينهم من الأسباب حسبما يحكيه قوله سبحانه: فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ [يونس: ٢٨] إلخ ونحوه إما لعدم حضورها حينئذ في الحقيقة بإبعادها من ذلك الموقف، وإما بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث هي شركاء كما

<<  <  ج: ص:  >  >>