للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محذوف أي قالوه، وأن يكون استئنافا بذكر ما قالوا في الدنيا إِنْ هِيَ أي ما هي إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا والضمير للحياة المذكورة بعده كما في قول المتنبي:

هو الجد حتى تفضل العين أختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيدا

وقد نصوا على صحة عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة في مواضع، منها ما إذا كان خبر الضمير مفسرا له كما هنا. وجعله بعضهم ضمير الشأن. ولا يتأتى على مذهب الجمهور لأنهم اشترطوا في خبره أن يكون جملة. وخالفهم في ذلك الكوفيون فقد حكي عنهم جواز كون خبره مفردا إما مطلقا أو بشرط كون المفرد عاملا عمل الفعل كاسم الفاعل نحو إنه قائم زيد بناء على أنه حينئذ يسد مسد الجملة. وقيل- وفيه بعد-: يحتمل أن يكون الضمير المذكور عبارة عما في الذهن وهو الحياة. والمعنى أن الحياة إلا حياتنا التي نحن فيها. وهو المراد بقولهم: الدنيا لا القريبة الزوال أو الدنيئة أو المتقدمة على الآخرة كما يقول المؤمنون إذ كل ذلك خلاف الظاهر لا سيما الأخير.

وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ أي إذا فارقتنا هذه الحياة أصلا وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ تمثيل لحبسهم للسؤال والتوبيخ أو كناية عنه عند من لم يشترط فيها إمكان الحقيقة وجوز اعتبار التجوز في المفرد إلا أن الأرجح عندهم اعتباره في الجملة، وقيل: الوقوف بمعنى الاطلاع المتعدي بعلى أيضا وفي الكلام مضاف مقدر أي وقفوا على قضاء ربهم أو جزائه، ولا حاجة إلى التضمين وجعله من القلب كما توهم، وقيل: هو بمعنى الاطلاع من غير حاجة إلى تقدير مضاف على معنى عرفوه سبحانه وتعالى حق التعريف ولا يلزم من حق التعريف حق المعرفة ليقال كيف هذا وقد قيل: ما عرفناك حق معرفتك، واستدل بعض الظاهرية بالآية على أن أهل القيامة يقفون بالقرب من الله تعالى في موقف الحساب ولا يخفى ما فيه.

قالَ استئناف نشأ من الكلام السابق كأنه قيل: فماذا قال لهم ربهم سبحانه وتعالى إذ ذاك؟ فقيل: قال:

إلخ. وجوز أن يكون في موضع الحال أي قائلا أَلَيْسَ هذا أي البعث وما يتبعه بِالْحَقِّ أي حقا لا باطلا كما زعمتم، وقيل: الإشارة إلى العقاب وحده وليس بشيء، ولا دلالة في فَذُوقُوا عند أرباب الذوق على ذلك، والهمزة للتقريع على التكذيب قالُوا استئناف كما سبق بَلى هو حق وَرَبِّنا أكدوا اعترافهم باليمين إظهارا لكمال تيقنهم بحقيقته وإيذانا بصدور ذلك عنهم برغبة ونشاط طمعا بأن ينفعهم وهيهات قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ الذي كفرتم به من قبل وأنكرتموه بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي بسبب كفركم المستمر أو ببدله أو بمقابلته أو بالذي كنتم تكفرون به، فما إما مصدرية أو موصولة والأول أولى، ولعل هذا التوبيخ والتقريع- كما قيل- إنما يقع بعد ما وقفوا على النار فقالوا ما قالوا إذ الظاهر أنه لا يبقى بعد هذا إلا العذاب، ويحتمل العكس وأمر سهل قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ هم الكفار الذين حكيت أحوالهم لكن وضع الموصول موضع الضمير للإيذان بتسبب خسرانهم عما في حيز الصلة من التكذيب بلقاء الله تعالى والاستمرار عليه، والمراد به

لقاء ما وعد سبحانه وتعالى على ما روي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم،

وصرح بعضهم بتقدير المضاف أي لقاء جزاء بالله تعالى، وصرح آخرون بأن لقاء الله تعالى استعارة تمثيلية عن البعث وما يتبعه حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ أي الوقت المخصوص وهو يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان وغلبت على الوقت المعلوم كالنجم للثريا، وسمي ساعة لقلته بالنسبة لما بعده من الخلود أو بسرعة الحساب فيه على الباري عز اسمه. وفسرها بعضهم هنا بوقت الموت، والغاية المذكورة للتكذيب.

وجوز أن تكون غاية للخسران لكن بالمعنى المتعارف والكلام حينئذ على حد قوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>