للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا ذكر اسم الإشارة المشعر بالتحقير وعقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى: إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت: ٦٤] والاشتغال باللهو مما يقصر به الزمان وهو أدخل من اللعب فيه، وأيام السرور فصار كما قيل:

وليلة إحدى الليالي الزهر ... لم تك غير شفق وفجر

وينزل على هذا الوجوه في الفرق، وتفصيله في الدرة قاله مولانا شهاب الدين فليفهم وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ التي هي محل الحياة الأخرى خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي لخلوص منافعها عن المضار والآلام وسلامة لذاتها عن الانصرام أَفَلا تَعْقِلُونَ ذلك حتى تتقوا ما أنتم عليه من الكفر والعصيان، والفاء للعطف على محذوف أي أتغفلون أو ألا تتفكرون فلا تعقلون، وكان الظاهر أن يقال- كما قال الطيبي- وما الدار الآخرة إلا جد وحق لمكان وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ إلا أنه وضع خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ. موضع ذلك إقامة للمسبب مقام السبب، وقال في الكشف: إن في ذلك دليلا على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو لأنه لما جعل الدار الآخرة في مقابلة الحياة الدنيا وحكم على الأعمال المقابل بأنها لعب ولهو علم تقابل العملين حسب تقابل ما أضيفا إليه أعني الدنيا والآخرة فإذا خص الخيرية بالمتقين لزم منه أن ما عدا أعمالهم ليس من أعمال الآخرة في شيء فهو لعب ولهو لا يعقب منفعة.

وقرأ ابن عامر «ولدار الآخرة» بالإضافة وهي من إضافة الصفة إلى الموصوف وقد جوزها الكوفيون، ومن لم يجوز ذلك تأوله بتقدير ولدار النشأة الآخرة أو إجراء الصفة مجرى الاسم، وقرأ ابن كثير وغيره «يعقلون» بالياء والضمير للكفار القائلين إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا، وقيل: للمتقين والاستفهام للتنبيه والحث على التأمل. قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ استئناف مسوق لتسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحزن الذي يعتريه عليه الصلاة والسلام مما حكي عن الكفرة من الإصرار على التكذيب والمبالغة، وكلمة قد للتكثير وهو- كما قال الحلبي رادا به اعتراض أبي حيان- راجع إلى متعلقات العلم لا العلم نفسه إذ صفة القديم لا تقبل الزيادة والتكثير وإلا لزم حدوثها المستلزم لحدوث من قامت به سبحانه وتعالى، وقال السفاقسي: قد تصح الكثرة باعتبار المعلومات وما في حيز العلم هنا كثير بناء على أن الفعل المذكور دال على الاستمرار التجددي، وأنشدوا على إفادتها ذلك بقول الهذلي:

قد أترك القرن مصفرا أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد

وادعى أبو حيان أن إفادتها للتكثير قول غير مشهور للنحاة وإن قال به بعضهم. وكلام سيبويه حيث قال: وتكون قد بمنزلة ربما ليس نصا في ذلك وما استشهدوا به على دعواهم إنما فهم التكثير فيه من سياق الكلام ومنه البيت فإن التكثير إنما فهم فيه لأن الفخر إنما يحصل بكثرة وقوع المفتخر به. وذكر بعض المحققين أن الحق ما قاله ابن مالك أن إطلاق سيبويه أنها بمنزلة ربما يوجب التسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضي والبيت دليل عليه فإن الفخر يقع بترك الشجاع قرنه وقد صبغت أثوابه بدمائه في بعض الأحيان.

وقول أبي حيان: إن الفخر إنما يحصل بكثرة إلخ غير مسلم على إطلاقه بل هو فيما يكثر وقوعه وأما ما يندر فيفتخر بوقوعه نادرا لأن قرن الشجاع لو غلبه كثيرا لم يكن قرنا له لأن القرن بكسر القاف وسكون الراء المقاوم المساوي.

وفي القاموس القرن كفؤك في الشجاعة أو أعم، فلفظه يقتضي بحسب دقيق النظر أنه لا يغلبه إلا قليلا وإلا لم يكن قرنا ويتناقض أول الكلام وآخره، وادعى الطيبي أن لفظ قد للتقليل، وقد يراد به في بعض المواضع ضده. وهو من

<<  <  ج: ص:  >  >>