عطف على «توفته» والضمير- كما قيل- للكل المدلول عليه بأحد وهو السر في مجيئه بطريق الالتفات، والإفراد أولا والجمع آخرا لوقوع التوفي على الانفراد والرد على الاجتماع.
وذهب بعض المحققين أن فيه التفاتا من الخطاب إلى الغيبة ومن التكلم إليها لأن الرد يناسبه الغيبة بلا شبهة وإن لم يكن الرد حقيقة لأنهم ما خرجوا من قبضة حكمه سبحانه طرفة عين. ونقل الإمام القول بعود الضمير على الرسل أي أنهم يموتون كما يموت بنو آدم، والأول هو الذي عليه غالب المفسرين. والمراد «ثم ردوا» بعد البعث والحشر أو من البرزخ إِلَى اللَّهِ أي إلى حكمه وجزائه أو إلى موضع العرض والسؤال مَوْلاهُمُ أي مالكهم الذي يلي أمورهم على الإطلاق ولا ينافي ذلك قوله تعالى: وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ [محمد: ١١] لأن المولى فيه بمعنى الناصر الْحَقِّ أي العدل أو مظهر الحق أو الصادق الوعد.
وذكر حجة الإسلام قدس سره أن الحق مقابل الباطل وكل ما يخبر عنه فإما باطل مطلقا وإما حق مطلقا وإما حق من وجه باطل من وجه، فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقا والواجب بذاته هو الحق مطلقا والممكن بذاته الواجب بغيره حق من وجه باطل من وجه، فمن حيث ذاته لا وجود له فهو باطل ومن جهة غيره مستفيد للوجود فهو حق من الوجه الذي يلي مفيد الوجود، فمعنى الحق المطلق هو الموجود الحقيقي بذاته الذي منه يؤخذ كل حقيقة وليس ذلك إلا الله تعالى، وهذا هو مراد القائل إن الحق هو الثابت الباقي الذي لا فناء له، وفي التفسير الكبير أن لفظ المولى والولي مشتقان من القرب وهو سبحانه القريب ويطلق المولى أيضا على المعتق وذلك كالمشعر بأنه جل شأنه أعتقهم من العذاب وهو المراد من
قوله سبحانه «سبقت رحمتي غضبي»
وأيضا أضاف نفسه إلى العبيد وما أضافهم إلى نفسه وذلك نهاية الرحمة، وأيضا قال عز اسمه: مَوْلاهُمُ الْحَقِّ والمعنى أنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس، والشهوة، والغضب كما قال سبحانه: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الجاثية: ٢٣] فلما مات الإنسان تخلص من تصرفات الموالي الباطلة وانتقل إلى تصرف المولى الحق انتهى. وهو كما ترى.
وادعى أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن الإنسان ليس عبارة عن مجرد هذه البنية لأن صريحها يدل على حصول الموت للعبد ويدل على أنه بعد الموت يرد إلى الله تعالى والميت مع كونه ميتا لا يمكن أن يرد إلى الله تعالى لأن ذلك الرد ليس بالمكان والجهة لتعاليه سبحانه عنهما بل يجب أن يكون مفسرا بكونه منقادا لحكم الله تعالى مطيعا لقضائه وما لم يكن حيا لا يصح هذا المعنى فيه فثبت أنه حصل هاهنا موت وحياة أما الموت فنصيب البدن فتبقى الحياة نصيب الروح ولما قال سبحانه: رُدُّوا وثبت أن المردود هو الروح ثبت أن الإنسان ليس إلا هي وهو المطلوب، وكذا تشعر بكون الروح موجودة قبل التعلق بالبدن لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال إنما يكون لو كانت موجودة كذلك، ونظيره قوله سبحانه: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر: ٢٨] وقوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ولا يخفى ما في ذلك فتدبر. وقرىء «الحق» بالنصب على المدح.
وجوز أن يكون على أنه صفة للمفعول المطلق أي الرد الحق فلا يكون حينئذ المراد به الله عز وجل والأول أظهر أَلا لَهُ الْحُكْمُ يومئذ صورة ومعنى لا لغيره بوجه من الوجوه. واستدل بذلك على أن الطاعة لا توجب الثواب والمعصية لا توجب العقاب إذ لو ثبت ذلك لثبت للمطيع على الله تعالى حكم وهو أخذ الثواب وهو ينافي ما دلت عليه الآية من الحصر وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ يحاسب جميع الخلائق بنفسه في أسرع زمان وأقصره، ويلزم هذا أن لا يشغله حساب عن حساب ولا شأن عن شأن.
وفي الحديث أنه تعالى يحاسب الكل في مقدار حلب شاة.
وفي بعض الأخبار في مقدار نصف يوم.
وذهب بعضهم إلى أنه تعالى لا يحاسب الخلق بنفسه بل يأمر سبحانه الملائكة عليهم السلام فيحاسب كل واحد منهم واحدا من العباد. وذهب آخرون إلى أنه عز وجل إنما يحاسب