وجوز أن يكون حالا من فاعله أي من ينجيكم منها حال كونه مدعوا من جهتكم تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً أي إعلانا وإسرارا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن فنصبهما على المصدرية، وقيل: بنزع الخافض، والإعلان والإسرار يحتمل أن يراد بهما ما باللسان، ويحتمل أن يراد بهما ما باللسان والقلب، وجوز أن يكونا منصوبين على الحال من فاعل «تدعون» أي معلنين ومسرين.
وقرأ أبو بكر عن عاصم «خفية» بكسر الخاء وهو لغة فيه كالأسوة والأسوة، وقوله سبحانه لَئِنْ أَنْجانا في محل النصب على المفعولية لقول مقدر وقع حالا من فاعل تدعون أيضا أي قائلين: لئن أنجيتنا، والكوفيون يحكون بما يدل على معنى القول كتدعون من غير تقدير والصحيح التقدير، وقيل: إن الجملة القسمية تفسير للدعاء فلا محل لها.
وقرأ أهل الكوفة «أنجانا» بلفظ الغيبة مراعاة لتدعونه دون حكاية خطابهم في حالة الدعاء غير أن عاصما قرأ بالتفخيم والباقون بالإمالة، وقوله سبحانه مِنْ هذِهِ إشارة إلى ما هم فيها المعبر عنها بالظلمات لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ أي الراسخين في الشكر المداومين عليه لأجل هذه النعمة الجليلة أو جميع النعم التي هذه من جملتها قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ أي غم يأخذ بالنفس، والمراد به إما ما يعم ما تقدم والتعميم بعد التخصيص كثير أو ما يعتري المرء من العوارض النفسية التي لا تتناهى كالأمراض والأسقام، وأمره صلّى الله عليه وسلّم بالجواب مع كونه من وظائفهم للإيذان بظهوره وتعينه أو للإهانة لهم مع بناء قوله سبحانه: ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ عليه أي الله تعالى وحده ينجيكم مما تدعونه إلى كشفه ومن غيره ثم أنتم بعد ما تشاهدون هذه النعم الجليلة تعودون إلى الشرك في عبادته سبحانه ولا توفون بالعهد. ووضع تُشْرِكُونَ موضع لا تشكرون الذي هو الظاهر المناسب لوعدهم السابق المشار إليه بقوله تعالى: لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ للتنبيه على أن من أشرك في عبادة الله تعالى فكأنه لم يعبده رأسا إذا التوحيد ملاك الأمر وأساس العبادة، وقيل: لعل المقصود التوبيخ بأنهم مع علمهم بأنه لم ينجهم إلا الله تعالى كما أفاده تقديم المسند إليه أشركوا ولم يخصوا الله تعالى بالعبادة فذكر الإشراك في موقعه، وكلمه- ثم- ليس للتراخي الزماني بل لكمال البعد بين إحسان الله تعالى عليهم وعصيانهم، ولم يذكر متعلق الشرك لتنزيله منزلة اللازم تنبيها على استبعاد الشرك في نفسه.
وقرأ أهل الكوفة، وأبو جعفر، وهشام عن ابن عامر «ينجّيكم» بالتشديد والباقون بالتخفيف.
قُلْ يا محمد لهؤلاء الكفار هُوَ الْقادِرُ لا غيره سبحانه عَلى أَنْ يَبْعَثَ أي يرسل عَلَيْكُمْ متعلق بيبعث. وتقديمه على المفعول الصريح وهو قوله سبحانه: عَذاباً للاعتناء به والمسارعة إلى بيان كون المبعوث مما يضرهم ولتهويل أمر المؤخر، والكلام استئناف مسوق لبيان أنه تعالى هو القادر على إلقائهم في المهالك إثر بيان أنه سبحانه هو المنجي لهم منها، وفيه وعيد ضمني بالعذاب لإشراكهم المذكور، والتنوين للتفخيم أي عذابا عظيما مِنْ فَوْقِكُمْ أي من جهة العلو كالصيحة، والحجارة، والريح، وإرسال السماء أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أي من جهة السفل كالرجفة، والخسف، والإغراق، وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من فوقكم أي من قبل أمرائكم وأشرافكم ومن تحت أرجلكم أي من قبل سفلتكم وعبيدكم وفي رواية أخرى عنه تفسير الأول بأئمة السوء والثاني بخدم السوء والمتبادر ما قدمنا وهو المروي عن غير واحد من المفسرين. والجار والمجرور متعلق بيبعث أيضا، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف وقع صفة لعذاب. وأو لمنع الخلو دون الجمع فلا منع لما كان من الجهتين معا كما فعل بقوم نوح عليه الصلاة والسلام.
أَوْ يَلْبِسَكُمْ أي يخلط أمركم عليكم ففي الكلام مقدر، وخلط أمرهم عليهم يجعلهم مختلفي الأهواء،