للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أي نحولها من نوع إلى آخر من أنواع الكلام تقريرا للمعنى وتقريبا إلى الفهم أو نصرفها بالوعد والوعيد لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ أي كي يعلموا جلية الأمر فيرجعوا عما هم عليه من المكابرة والعناد، واستدل بعض أهل السنة بالآية على أن الله تعالى خالق للخير والشر، وقال بعض الحشوية والمقلدة: إنها من أدل الدلائل على المنع من النظر والاستدلال لما أن في ذلك فتح باب التفرق والاختلاف المذموم بحكم الآية وليس بشيء كما لا يخفى وَكَذَّبَ بِهِ أي القرآن كما قال الأزهري وروي ذلك عن الحسن وقيل: الضمير لتصريف الآيات، واختاره الجبائي، والبلخي، وقيل: هو للعذاب واختاره غالب المفسرين قَوْمُكَ أي قريش، وقيل: هم وسائر العرب، وأيا ما كان فالمراد المعاندون منهم، قيل: ولعل إيرادهم بهذا العنوان للإيذان بكمال سوء حالهم فإن تكذيبهم بذلك مع كونهم من قومه عليه الصلاة والسلام مما يقضي بغاية عتوهم ومكابرتهم، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر مرارا.

وَهُوَ الْحَقُّ أي الكتاب الصادق في كل ما نطق به لا ريب فيه أو المتحقق الدلالة أو الواقع لا محالة.

والواو حالية والجملة بعدها في موضع الحال من الضمير المجرور، وقيل: الواو استئنافية (١) وبعدها مستأنفة. وأيّا ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم ونهاية قبحها قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أي بموكل فوض أمركم إلى أحفظ أعمالكم لأجازيكم بها إنما أنا منذر ولم آل جهدا في الإنذار والله سبحانه هو المجازي قاله الحسن.

وقال الزجاج: المراد أني لم أؤمر بحربكم ومنعكم عن التكذيب. وفي معناه ما نقل عن الجبائي. والآية على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما منسوخة بآية القتال ولا بعد في ذلك على المعنى الثاني.

لِكُلِّ نَبَإٍ أي لكل شيء ينبأ به من الأنباء التي من جملتها عذابكم أو لكل خبر من الأخبار التي من جملتها خبر مجيئه مُسْتَقَرٌّ أي وقت استقرار ووقوع البتة أو وقت استقراره بوقوع مدلوله وليس مصدرا ميميا.

وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أي حال نبئكم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا، وسوف للتأكيد.

وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها كما هو دأب قريش وديدنهم في أنديتهم وهم المراد بالموصول. وعن مجاهد أهل الكتاب فإن ديدنهم ذلك أيضا، ولذا أتى بإذا الدالة على التحقيق، وهذا بخلاف النسيان الآتي، وأصل الخوض من خاض القوم في الحديث وتخاوضوا إذا تفاوضوا فيه، وقال الطبرسي: الخوض التخليط في المفاوضة على سبيل العبث واللعب وترك التفهم والتبيين، وقال بعض المحققين:

أصل معنى الخوض عبور الماء استعير للتفاوض في الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن للذم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أي اتركهم ولا تجالسهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ أي كلام غَيْرِهِ أي غير آياتنا. والتذكير باعتبار كونها حديثا فإن وصف الحديث بمغايرتها مشير إلى اعتبارها بعنوان الحديثية، وقيل: باعتبار كونها قرآنا، والمراد بالخوض هنا التفاوض لا بقيد التكذيب والاستهزاء. وادعى بعضهم أن المعنى حتى يشتغلوا بحديث غيره وأن ذكر يَخُوضُوا للمشاكلة، واستظهر عود الضمير إلى الخوض. واستدل بعض العلماء بالآية على أن إِذا تفيد التكرار لحرمة القعود مع الخائض كما خاض. ونظر فيه بأن التكرار ليس من إذا بل من ترتب الحكم على مأخذ الاشتقاق.

واستدلال بعض الحشوية بها على النهي عن الاستدلال والمناظرة في ذات الله تعالى وصفاته زاعما أن ذلك


(١) قوله وبعدها مستأنفة كذا بخطه والأمر سهل

<<  <  ج: ص:  >  >>