بناء على أنه سبب النزول. وفي الآية تغليب إذ لا يتصور الرد على العقب المراد به الرجوع إلى الشرك منه صلّى الله عليه وسلّم.
والمعنى أيليق بنا معشر المسلمين ذلك. والأعقاب جمع عقب وهو مؤخر الرجل يقال: رجع على عقبه إذا انثنى راجعا.
ويكنى به- كما قيل- عن الذهاب من غير رؤية موضع القدم وهو ذهاب بلا علم بخلاف الذهاب مع الإقبال وقيل:
الرد على الأعقاب بمعنى الرجوع إلى الضلال والجهل شركا أو غيره. والجمهور على الأول. والتعبير عن الرجوع إلى الشرك بالرد على الأعقاب- كما قال شيخ الإسلام- لزيادة تقبيحه بتصويره بصورة ما هو علم في القبح مع ما فيه من الإشارة إلى كون الشرك حالة قد تركت ونبذت وراء الظهر. وإيثار نُرَدُّ على نرتد لتوجيه الإنكار إلى الارتداد برد الغير تصريحا بمخالفة المضلين وقطعا لأطماعهم الفارغة وإيذانا بأن الارتداد من غير راد ليس في حيز الاحتمال ليحتاج إلى نفيه وإنكاره بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ أي إلى التوحيد والإسلام أو إلى سائر ما يترتب عليه الفوز في الآخرة على ما قيل. والظرف متعلق بنرد مسوق لتأكيد النكير لا لتحقيق معنى الرد وتصويره فقط وإلا لكفى أن يقال: بعد إذ اهتدينا كأنه قيل: أنرد إلى ذلك بإضلال المضل بعد إذ هدانا الله الذي لا هادي سواه. وليست الآية من باب التنازع فيما يظهر. ولا أن جملة «نرد» في موضع الحال من ضمير «ندعو» أي ونحن نرد وجوزه أبو البقاء.
وقوله سبحانه: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ نعت لمصدر محذوف أي أنرد ردا مثل رد الذي استهوته إلخ.
وقدر الطبرسي أندعو دعاء مثل دعاء الذي إلخ وليس بشيء كما لا يخفى، وقيل: إنه في موضع الحال من فاعل «نرد» أي أنرد على أعقابنا مشبهين بذلك. واعترضه صاحب الفرائد بأن حاصل الحالية أنرد في حال مشابهتنا كقولك: جاء زيدا راكبا أي في حال ركوبه والرد ليس في حال المشابهة كما أن المجيء في حال الركوب.
وأجاب عنه الطيبي بأن الحال مؤكدة كقوله سبحانه: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: ٢٥] فلا يلزم ذلك ولا يخفى أنه في حيز المنع. والاستهواء استفعال من هوى في الأرض يهوي إذا ذهب كما هو المعروف في اللغة كأنها طلبت هويه وحرصت عليه أي كالذي ذهبت به مردة الجن في المهامة والقفار. والكلام من المركب العقلي أو من التمثيل حيث شبه فيه من خلص من الشرك ثم نكص على عقبيه بحال من ذهبت به الشياطين في المهمة وأضلته بعد ما كان على الجادة المستقيمة. وليس هذا مبنيا على زعمات العرب كما زعم من استهوته الشياطين. وادعى بعضهم أن استهوى من هوى بمعنى سقط يقال: هوى يهوي هويا بفتح الهاء إذا سقط من أعلى إلى أسفل. والمقصود تشبيه حال هذا الضال بحال من سقط من الموضع العالي إلى الوهدة السافلة العميقة لأنه في غاية الاضطراب والضعف والدهشة. ونظير ذلك قوله تعالى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ [الحج: ٣١] وفيه بعد وإن قال الإمام:
إنه أولى من المعنى الأول مع أنه يتوقف على ورود الاستفعال من هوى بهذا المعنى، وجوز أبو البقاء في «الذي» أن يكون مفردا أي كالرجل أو كالفريق الذي وأن يكون جنسا. والمراد الذين.
وقرأ حمزة «استهواه» بألف ممالة مع التذكير فِي الْأَرْضِ أي جنسها. والجار متعلق باستهوته أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله أي كائنا في الأرض. وكذا قوله سبحانه: حَيْرانَ حال منه أيضا على أنها بدل من الأولى أو حال ثانية عند من يجيزها أو من «الذي» أو من المستكن في الظرف. وجوز أبو البقاء أن يكون الجار حالا من حَيْرانَ وهو ممنوع من الصرف ومؤنثه حيرى أي تائها ضالا عن الجادة لا يدري ما يصنع.
لَهُ أي للمستهوي أَصْحابٌ أرى رفقة يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى أي الطريق المستقيم أطلق عليه مبالغة على حد- زيد عدل- والجار الأول متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما وأَصْحابٌ مبتدأ، والجملة إما في محل نصب على أنها صفة لحيران أو حال من الضمير فيه أو من الضمير في الظرف أو بدل من الحال التي قبلها. وإما