معصية من معاصي الله تعالى فدعا عليه فهلك ثم أشرف على آخر فذهب يدعو عليه فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي فإنهم مني على ثلاث، إما أن يتوب العاصي فأتوب عليه، وإما أن أخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح. وإما أن أقبضه إليّ فإن شئت عفوت وإن شئت عاقبت»
وروي نحوه موقوفا ومرفوعا من طرق شتى ولا خلاف فيها لدلائل المعقول خلافا لمن توهمه، وقيل: ملكوت السماوات الشمس، والقمر، والنجوم وملكوت الأرض، الجبال، والأشجار، والبحار.
وهذه الأقوال- على ما قيل- لا تقتضي أن تكون الإراءة بصرية إذ ليس المراد بإراءة ما ذكر من الأمور الحسية مجرد تمكينه عليه السلام من إبصارها ومشاهدتها في أنفسها بلا اطلاعه عليه السلام على حقائقها وتعريفها من حيث دلالتها على شؤونه عز وجل، ولا ريب في أن ذلك ليس مما يدرك حسا كما ينبىء عنه التشبيه السابق.
وقرىء «ترى» بالتاء وإسناد الفعل إلى الملكوت أي تبصره عليه السلام دلائل الربوبية وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ أي من زمرة الراسخين في الإيقان البالغين درجة عين اليقين من معرفة الله تعالى، وهذا لا يقتضي سبق الشك كما لا يخفى، واللام متعلقة بمحذوف مؤخر، والجملة اعتراض مقرر لما قبلها أي وليكون كذلك فعلنا ما فعلنا من التبصير البديع المذكور، والحصر باعتبار أن هذا الكون هو المقصود الأصلي من ذلك التبصير ونحو إرشاد الخلق وإلزام الكفار من مستتبعاته، وبعضهم لم يلاحظ ذلك فقدر الفعل مقدما لعدم انحصار العلة فيما ذكر.
وقيل: هي متعلقة بالفعل السابق، والجملة معطوفة على علة مقدرة ينسحب عليها الكلام أي ليستدل وليكون.
واعترض بأن الاستدلال مع قطع النظر عن كونه سببا للالتفات لا يكون علة للإراءة فكيف يعطف عليه بإعادة اللام وليس بشيء، وادعى بعضهم أنه ينبغي على ذلك أن يراد بملكوت السماوات والأرض بدائعهما وآياتهما لأن الاستدلال من غايات إراءتها لا من غاية إراءة نفس الربوبية، وأنت تعلم أن رؤية الربوبية إنما هي برؤية دلائلها وآثارها، ومن الناس من جوز كون الواو زائدة واللام متعلقة بما قبل وفيه بعد وإن ذكروه وجها كالأولين في كل ما جاء في القرآن من هذا القبيل.
وقوله تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ يحتمل أن يكون عطفا على إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ وما بينهما اعتراض مقرر لما سبق ولحق، فإن تعريفه عليه السلام ربوبيته ومالكته تعالى للسماوات والأرض وما فيهن وكون الكل مقهورا تحت ملكوته مفتقرا إليه عز شأنه في جميع أحواله وكونه من الراسخين في المعرفة الواصلين إلى ذروة عين اليقين مما يقتضي بأن يحكم باستحالة ألوهية ما سواه سبحانه من الأصنام والكواكب التي كان يعبدها قومه، واختاره بعض المحققين، ويحتمل أن يكون تفصيلا لما ذكر من إراءة الملكوت وبيانا لكيفية استدلاله عليه السلام ووصوله إلى رتبة الإيقان، والترتيب ذكرى لتأخر التفصيل عن الإجمال في الذكر، ومعنى فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ سترة بظلامه، وهذه المادة بمتصرفاتها تدل على الستر، وعن الراغب أصل الجن الستر عن الحاسة يقال: جنه الليل وأجنه وجن عليه فجنه وجن عليه ستره وأجنه جعل له ما يستره.
وقوله سبحانه: رَأى كَوْكَباً جواب لما فإن رؤيته إنما تتحقق عادة بزوال نور الشمس عن الحس وهذا- كما قال شيخ الإسلام- صريح في أنه لم يكن في ابتداء الطلوع بل كان بعد غيبته عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس، والتحقيق عنده أنه كان قريبا من الغروب وسيأتي إن شاء الله تعالى الإشارة إلى سبب ذلك، والمراد بالكوكب فيما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم المشتري. وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنه الزهرة قالَ هذا رَبِّي استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام السابق، وهذا منه عليه السلام على سبيل الفرض وإرخاء العنان مجاراة مع أبيه وقومه الذين كانوا يعبدون الأصنام والكواكب فإن المستدل على فساد قول