ونوح- كما قال الجواليقي- أعجمي معرب زاد الكرماني، ومعناه بالسريانية الساكن، وقال الحاكم في المستدرك: إنما سمي نوحا لكثرة بكائه على نفسه واسمه عبد الغفار، والأول أثبت عندي، وأكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم- كما قال الحاكم- أنه عليه السلام كان قبل إدريس عليه السلام- وذكر النسابون أنه ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام والخاء المعجمة ابن أخنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة وبعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال.
وروى الطبراني عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال:«قلت يا رسول الله من أول الأنبياء؟ قال: آدم عليه السلام قلت: ثم من؟ قال نوح عليه السلام: وبينهما عشرة قرون»
وهذا ظاهر في أن إدريس عليه السلام لم يكن قبله.
وذكر ابن جرير أن مولده عليه السلام كان بعد وفاة آدم عليه السلام بمائة وستة وعشرين عاما. وذكره سبحانه هنا قيل لأنه لما ذكر سبحانه إنعامه على خليله من جهة الفرع ثني بذكر إنعامه عليه من جهة الأصل فإن شرف الوالد سار إلى الولد، إنما ذكره سبحانه لأن قومه عبدوا الأصنام فذكره ليكون له به أسوة، وأما أنه ذكر لما مر فلا إذ لا دلالة على علاقة الأبوة ليقبل. ودلالة مِنْ قَبْلُ على ذلك غير ظاهرة. وقنع بعضهم بالشهرة عن ذلك وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ الضمير عند جمع لإبراهيم عليه السلام لأن مساق النظم الجليل لبيان شؤونه وما من الله تعالى به عليه من إيتاء الحجة ورفع الدرجات وهبة الأولاد الأنبياء وإبقاء هذه الكرامة في نسله كل ذلك لإلزام من ينتمي إلى ملته من المشركين واليهود، واختار آخرون كونه لنوح عليه السلام لأنه أقرب ولأنه ذكر في الجملة لوطا عليه السلام وليس من ذرية إبراهيم بل كان ابن أخيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى آمن به وشخص معه مهاجرا إلى الشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم، وكذلك يونس عليه السلام لم يكن من ذريته فيما ذكر محيي السنة فلو كان الضمير له لاختص بالمعدودين في هذه الآية والتي بعدها، وأما المذكورون في الآية الثالثة فعطف على- نوحا- ولا يجب أن يعتبر في المعطوف ما هو قيد في المعطوف عليه، ولا يضر ذكر إسماعيل هناك وإن كان من ذرية إبراهيم عليهما السلام لأن السكوت عن إدراجه في الذرية لا يقتضي أنه ليس منهم وإنما لم يعد- كما قال بعض المحققين-: في موهبته كإسحاق لأن هبة إسحاق كانت في كبره وكبر زوجته فكانت في غاية الغرابة، وذكر يعقوب لأن إبقاء النبوة بطنا بعد بطن غاية النعمة، ولم يعطف «كلا هدينا» لأنه مؤكد لكونه نعمة.
ومن الناس من ادعى أن يونس عليه السلام من ذرية إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم وصرح في جامع الأصول أنه كان من الأسباط في زمن شعيا، وحينئذ يبقى لوط فقط خارجا ولا يترك له إرجاع الضمير على إبراهيم وجعله مختصا بالمعدودين في الآيات الثلاث لأنه لما كان ابن أخيه آمن به وهاجر معه أمكن أن يجعل من ذريته على سبيل التغليب كما قال الطيبي.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هؤلاء الأنبياء عليهم السلام كلهم مضافون إلى ذرية إبراهيم وإن كان منهم من لم يلحقه بولادة من قبل أم ولا أب لأن لوطا ابن أخي إبراهيم والعرب تجعل العم أبا كما أخبر الله تعالى عن أبناء يعقوب أنهم قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [البقرة: ١٣٣] مع أن إسماعيل عم يعقوب. والجار والمجرور متعلق بفعل مضمر مفهوم مما سبق، وقيل: بمحذوف وقع حالا من المذكورين في الآية واختير الأول أي وهدينا من ذريته داوُدَ هو- كما قال الجلال السيوطي- ابن ايشا بكسر الهمزة وسكون الياء المثناة التحتية وبالشين المعجمة ابن عوبر بمهملة وموحدة بوزن جعفر بن عابر بموحدة ومهملة مفتوحة ابن سلمون بن يخيثون ابن عمي بن يا رب- بتحتية وآخره باء موحدة- ابن رام بن حضرموت بمهملة ثم معجمة بن فارض بفاء وآخره مهملة بن يهوذا بن يعقوب.