للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو غير مجمع عليه أيضا فإن أناسا أنكروا ورود ذلك، وجعلوا اللام في البيت للتعليل والجواب محذوف أي لتشربن لتغني عني. واستشهد الأخفش بالبيت على إجابة القسم بلام كي.

وقال الرضي: لا يجوز عند البصريين في جواب القسم الاكتفاء بلام الجواب عن نون التوكيد إلا في الضرورة.

وعن الجبائي أن اللام هنا لام الأمر، والمراد منه التهديد أو التخلية واستعمال الأمر في ذلك كثير.

واعترض بأنها لو كانت لام الأمر لحذف حرف العلة. وأجيب بأن حرف العلة قد يثبت في مثله كما خرج عليه قراءة أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ (١) إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ (٢) فليكن هذا كذلك. ويؤيد أنها لام الأمر أنه قرىء بحذف حرف العلة.

وقرأ الحسن بتسكين اللام في هذا وفي الفعلين بعده. فدعوى أن ضعف كونها للأمر أظهر من ضعف الوجهين الأولين غير ظاهرة. واستدل أصحابنا بإسناد الصغو إلى الأفئدة على أن البنية ليست شرطا للحياة فالحي عندهم هو الجزء الذي قامت به الحياة، والعالم هو الجزء الذي قام به العلم، وقالت المعتزلة: الحي والعالم هو الجملة لا ذلك الجزء، والإسناد هنا مجازي وَلِيَرْضَوْهُ لأنفسهم بعد ما مالت إليه أفئدتهم وَلِيَقْتَرِفُوا أي ليكتسبوا، قال الراغب: أصل القرف والاقتراف قشر اللحاء عن الشجرة والجليدة عن الجرح وما يؤخذ منه قرف، واستعير الاقتراف للاكتساب حسنى أو سوأى وفي الإساءة أكثر استعمالا، ولهذا يقال: الاعتراف يزيل الاقتراف، ويقال: قرفت فلانا بكذا إذا عبته به واتهمته وقد حمل على ذلك ما هنا وفيه بعد. ومثله ما نقل عن الزجاج أن المعنى فيه وليختلقوا وليكذبوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ أي الذي هم مقترفون من القبائح التي لا يليق ذكرها. وجوز أن تكون ما موصوفة، والعائد محذوف أيضا. وأن تكون مصدرية فلا حاجة إلى تقدير عائد.

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً كلام مستأنف على إرادة القول. والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي قل لهم يا محمد: أأميل إلى زخارف الشياطين أو أعدل عن الطريق المستقيم فأطلب حكما غير الله تعالى يحكم بيني وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل.

وقيل: إن مشركي قريش قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اجعل بيننا وبينك حكما من أحبار اليهود أو من أساقفة النصارى ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك فنزلت.

وإسناد الابتغاء المنكر لنفسه الشريفة صلّى الله عليه وسلّم لا إلى المشركين كما في قوله سبحانه: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ [آل عمران: ٨٣] مع أنهم الباغون لإظهار كمال النصفة أو لمراعاة قولهم اجعل بيننا وبينك حكما، و «غير» مفعول أَبْتَغِي وحَكَماً حال منه، وقيل: تمييز لما في «غير» من الإبهام كقولهم: إن لنا إبلا غيرها، وقيل: مفعول له، وأولى المفعول همزة الاستفهام دون الفعل لأن الإنكار إنما هو في ابتغاء غير الله تعالى حكما لا في مطلق الابتغاء فكان أولى بالتقديم وأهم، وقيل: تقديمه للتخصيص. وحمل على أن المراد تخصيص الإنكار لا إنكار التخصيص، وقيل: في تقديمه إيماء إلى وجوب تخصيصه تعالى بالابتغاء والرضى بكونه حكما.

وجوز أن يكون «غير» حالا من حَكَماً وحكما مفعول أَبْتَغِي والتقديم لكونه مصب الإنكار، والحكم يقال للواحد والجمع كما قال الراغب، وصرح هو وغيره بأنه أبلغ من الحاكم لا مساو له كما نقل الواحدي عن أهل اللغة، وعلل بأنه صفة مشبهة تفيد ثبوت معناها ولذا لا يوصف به إلا العادل أو من تكرر منه الحكم.


(١) سورة: يوسف، الآية: ١٢. [.....]
(٢) سورة: يوسف، الآية: ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>