للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا

[الإسراء: ٩٢] . وعن الحسن البصري مثله، وهذا كما ترى صريح في أن ما علق بإيتاء ما أوتي الرسل عليهم السلام هو إيمانهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبما أنزل إليه إيمانا حقيقيا كما هو المتبادر منه عند الإطلاق خلا أنه يستدعي أن يحمل ما أوتي رسل الله على مطلق الوحي ومخاطبة جبريل عليه السلام في الجملة وأن يصرف الرسالة في قوله سبحانه: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ عن ظاهرها وتحمل على رسالة جبريل عليه السلام بالوجه المذكور، ويراد بجعلها تبليغها إلى المرسل إليه لا وضعها في موضعها الذي هو الرسول ليتأتى كونه جوابا عن اقتراحهم وردا له بأن كون معنى الاقتراح لن نؤمن بكون تلك الآية نازلة من عند الله تعالى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يأتينا جبريل بالذات عيانا كما يأتي الرسل فيخبرنا بذلك، ومعنى الرد الله أعلم بمن يليق بإرسال جبريل عليه السلام إليه الأمر من الأمور إيذانا بأنهم بمعزل من استحقاق ذلك التشريف، وفيه من التمحل ما لا يخفى.

وأنت تعلم أنه لا تمحل في حمل ما أوتي رسل الله على مطلق الوحي بل في العدول عن قول لن نؤمن حتى نجعل رسلا مثلا إلى ما في النظم الكريم نوع تأييد لهذا الحمل، نعم صرف الرسالة عن ظاهرها وحمل الجعل على التبليغ لا يخلو عن بعد، ولعل الأمر فيه سهل. ويفهم من كلام البعض أن مطلق الوحي ومخاطبة جبريل عليه السلام في الجملة وإن لم يستدع تلك الرسالة إلا أنه قريب من منصبها فيصلح ما ذكر جوابا بدون حاجة إلى الصرف والحمل المذكورين، وفيه ما فيه. وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل حين قال: زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به ولا نتبعه أبدا حتى يأتينا وحي كما يأتيه. وقال الضحاك: سأل كل واحد من القوم أن يخص بالرسالة والوحي كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله سبحانه: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً [المدثر: ٥٢] قال الشيخ: ولا يخفى أن كل واحد من هذين القولين وإن كان مناسبا للرد المذكور لكنه يقتضي أن يراد بالإيمان المعلق بإيتاء مثل ما أوتي الرسل مجرد تصديقهم برسالته صلّى الله عليه وسلّم في الجملة من غير شمول لكافة الناس، وأن يكون كلمة حتى في قول اللعين. حتى يأتينا وحي كما يأتيه إلخ غاية لعدم الرضى لا لعدم الاتباع فإنه مقرر على تقديري إتيان الوحي وعدمه، فالمعنى لن نؤمن رسالته أصلا حتى نؤتى نحن من النبوة مثل ما أوتي رسل الله أو إيتاء رسل الله، ولا يخفى أنه يجوز أن تكون حتى في كلام اللعين غاية للاتباع أيضا على أن المراد به مجرد الموافقة وفعل مثل ما يفعله صلّى الله عليه وسلّم من توحيد الله تعالى وترك عبادة الأصنام لاقفو الأثر بالائتمار، على أن اللعين إنما طلب إتيان وحي كما يأتي النبي صلّى الله عليه وسلّم وليس ذلك نصا في طلب الاستقلال المنافي للاتباع.

ولعل مراده عليه اللعنة المشاركة في الشرف بحيث لا ينحط عنه عليه الصلاة والسلام بالكلية ويمكن أن يدعي أيضا أن هؤلاء الكفرة لكون كل منهم أبا جهل بما يقتضيه منصب الرسالة لا يأبون كون الرسولين يجوز أن يبعث أحدهما إلى الآخر ويلزم أحدهما امتثال أمر الآخر واتباعه وإن كان مشاركا له في أصل الرسالة فليفهم،

وقيل: إن الوليد ابن المغيرة قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر مالا وولدا فنزلت هذه الآية.

وتعقبه الشيخ قدس سره أنه لا تعلق له بكلامهم المردود إلا أن يراد بالإيمان المعلق بما ذكر مجرد الإيمان بكون الآية النازلة وحيا صادقا لا الإيمان بكونها نازلة إليه عليه الصلاة والسلام فيكون المعنى وإذا جاءتهم آية نازلة إلى الرسول قالوا: لن نؤمن بنزولها من عند الله حتى يكون نزولها إلينا لا إليه لأنا نحن المستحقون دونه فإن ملخص معنى قوله: «لو كانت النبوة حقا» إلخ لو كان ما تدعيه من النبوة حقا لكنت أنا النبي لا أنت وإذا لم يكن الأمر كذلك فليست بحق، ومآله تعليق الإيمان بحقية النبوة بكون نفسه نبيا.

وأنت تعلم أن إطلاق النبوة وقولهم رُسُلُ اللَّهِ ليس بينهما كمال الملاءمة بحسب الظاهر كما لا يخفى،

<<  <  ج: ص:  >  >>