يكون فيه للخير منفذ وقرأ ابن كثير «ضيقا» بالتخفيف، ونافع وأبو بكر عن عاصم «حرجا» بكسر الراء أي شديد الضيق والباقون بفتحها وصفا بالمصدر للمبالغة، وأصل معنى الحرج- كما قال الراغب- مجتمع الشيء، ومنه قيل:
للضيق حرج، وقال بعض المحققين: أصل معناه شدة الضيق فإن الحرجة غيضة أشجارها ملتفة بحيث يصعب دخولها.
وأخرج ابن حميد، وابن جرير، وغيرهما عن أبي الصلت الثقفي أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ حَرَجاً بفتح الراء وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «حرجا» بكسرها فقال عمر: ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا وليكن مدلجيا فأتوه به فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال: الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء فقال عمر رضي الله تعالى عنه: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ استئناف أو حال من ضمير الوصف أو وصف آخر، والمراد المبالغة في ضيق صدره حيث شبه بمن يزاول ما لا يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة، وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود، والامتناع في ذلك عادي. وعن الزجاج معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه، وأصل يَصَّعَّدُ يتصعد وقد قرىء به فأدغمت التاء في الصاد.
وقرأ ابن كثير يَصَّعَّدُ وأبو بكر عن عاصم «يصاعد» وأصله أيضا يتصاعد ففعل به ما تقدم.
كَذلِكَ إشارة إلى الجعل المذكور بعده على ما مر تحقيقه أو إشارة إلى الجعل السابق أي مثل ذلك الجعل أي جعل الصدر حرجا على الوجه المذكور يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ أي العذاب أو الخذلان.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه قال: الرِّجْسَ ما لا خير فيه. وقال الراغب: الرِّجْسَ الشيء القذر، وقال الزجاج: هو اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة. وأصله- على ما قيل- من الارتجاس وهو الاضطراب عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أي عليهم. ووضع الظاهر موضع المضمر للتعليل وَهذا أي ما جاء به القرآن كما روي عن ابن مسعود أو الإسلام كما روي عن ابن عباس أو ما سبق من التوفيق والخذلان كما قيل صِراطُ رَبِّكَ أي طريقه الذي ارتضاه أو عادته وطريقته التي اقتضها حكمته. ولا يخفى ما في التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطب من اللطف مُسْتَقِيماً لا اعوجاج فيه ولا زيغ أو عادلا مطردا وهو إما حال مؤكدة لصاحبها وعاملها محذوف وجوبا مثل هذا أبوك عطوفا أو مؤسسة والعامل فيها معنى الإشارة أو ها التي للتنبيه قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ بيناها مفصلة لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أي يتذكرون ما في تضاعيفها فيعلمون أن كل الحوادث بقضائه سبحانه وقدره وأنه جل شأنه حكيم عادل في جميع أفعاله، وتخصيص هؤلاء القوم بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك التفصيل لَهُمْ أي لهؤلاء القوم دارُ السَّلامِ أي الجنة كما قال قتادة، والسلام هو الله تعالى كما قال الحسن، وابن زيد، والسدي، وإضافة الدار إليه سبحانه للتشريف. وقال الزجاج والجبائي: السَّلامِ بمعنى السلامة أي دار السلامة من الآفات والبلايا وسائر المكاره التي يلقاها أهل النار. وقيل: هو بمعنى التسليم أي دار تحيتهم فيها سلام عِنْدَ رَبِّهِمْ أي في ضمانه وتكفله التفضلي أو ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنه ذلك غيره. والجملة مستأنفة، وقيل صفة لقوم وَهُوَ وَلِيُّهُمْ أي محبهم أو ناصرهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي بسبب أعمالهم الصالحة أو متوليهم متلبسا بجزائها بأن يتولى إيصال الثواب إليهم.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا لتفاوت مراتب أرواحهم في الصفاء والكدورة والنور والظلمة والقرب والبعد. ومن هنا قيل: والجاهلون لأهل العلم أعداء. وكلما اشتد التفاوت اشتدت العداوة وزاد الإيذاء الناشئ منها. ولهذا