وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا وهو يوم القيامة على ما قاله غير واحد، وعن الحسن، والسدي، وابن جريج أنه الموت والأول أولى، وإنما قال الأولياء ما قالوا اعترافا بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث وإظهار للندامة عليها وتحسرا على حالهم واستسلاما لربهم وإلا ففائدة الخبر ولازمها مما لا تحقق له.
قيل: ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين للإيذان بأن المضلين قد أفحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلا.
وقرىء «آجالنا» بالجمع والَّذِي بالتذكير والإفراد، قال أبو علي: هو جنس أو وقع الذي موقع التي.
قالَ استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال الله تعالى حينئذ؟ فقيل قال: النَّارُ مَثْواكُمْ أي منزلكم ومحل إقامتكم أو ذات ثوائكم على أن المثوى اسم مكان أو مصدر خالِدِينَ فِيها حال من ضمير الجمع والعامل فيها «مثوى» إن كان مصدرا وقدروا عاملا أي يبؤون خالدين إن كان مثوى اسم مكان لأنه حينئذ لا يصلح للعمل.
وقال أبو البقاء: إن العامل في الحال على هذا التقدير معنى الإضافة، وردوه بأن النسبة الإضافية لا تعمل ولا يصح أن تنصب الحال إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه تعالى استثنى قوما قد سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا مبني على أن الاستثناء ليس من المحكي وأن ما بمعنى من، ولا يخفى أن استعمال ما للعقلاء قليل فيبعد ذلك كما يبعد شمول ما نقدم للمستثنى، وقيل: إن ما مصدرية وقتية على ما هو الظاهر، المراد إلا الوقت الذين ينقلون فيه إلى الزمهرير،
فقد روي أنهم يدخلون واديا من الزمهرير ما يمييز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم،
ورد بأن فيه صرف النار من معناها العلمي وهو دار العذاب إلى اللغوي، وأجيب عنه بأنه لا بأس به إذا دعت إليه الضرورة، وقيل عليه: إن المعترض لا يسلم الضرورة لإمكان غير هذا التأويل.
مع أن قوله سبحانه: مَثْواكُمْ يقتضي ما ذهب إليه المعترض بحسب الظاهر، وقيل: إن لهم وقتا يخرجون فيه من دار العذاب، وذلك أنه
روي أنهم تفتح لهم أبواب الجنة ويخرجون من النار فإذا توجهوا للدخول أغلقت في وجوههم استهزاء بهم،
وإليه الإشارة بقوله تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين: ٣٤] .
وأنت تعلم أن ظواهر الآيات صادحة بعدم تخفيف العذاب عن الكفار بعد دخولهم النار وفي إخراجهم هذا تخفيف أي تخفيف وإن كان بعده ما تشيب منه النواصي، ولعل الخبر في ذلك غير صحيح، والمشهور أن المرائين يدنون من الجنة حتى إذا استنشقوا ريحها ورأوا ما أعد الله تعالى لعباده فيها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها الخبر بتمامه وقد قدمناه ويكون ذلك قبل إدخالهم النار كما لا يخفى على من راجع الحديث.
وقيل: المستثنى زمان إمهالهم قبل الدخول كأنه قيل النار مثواكم أبدا إلا ما أمهلكم، ورده أبو حيان بأنه في الاستثناء يشترط اتحاد زمان المخرج والمخرج منه فإذا قلت قام القوم إلا زيدا فإن معناه إلا زيدا ما قام ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيدا ما يقوم في المستقبل. وكذلك سأضرب القوم إلا زيدا معناه إلا زيدا فإني لا أضربه في المستقبل ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيدا فإني ما ضربته وأجيب بأن هذا إذا لم يكن الاستثناء منقطعا أما إذا كان منقطعا فإنه يسوغ كقوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى [الدخان: ٥٦] أي لكن الموتة الأولى فإنهم ذاقوها فلعل القائل بأن المستثنى زمان إمهالهم يلتزم انقطاع الاستثناء كما في هذه الآية ولا محذور فيه مع ورود مثله في القرآن وفيه نظر ظاهر، وذهب الزجاج إلى وجه لطيف إنما يظهر بالبسط فقال: المراد والله تعالى أعلم إلا ما شاء الله من زيادة العذاب ولم يبين وجه استقامة الاستثناء والمستثنى على هذا التأويل، قال ابن المنير: ونحن نبينه فنقول:
العذاب والعياذ بالله عز وجل على درجات متفاوتة فكأن المراد أنهم مخلدون في جنس العذاب إلا ما شاء ربك من