ويزعمون أنهم يحرمون لله سبحانه. وروي أنهم كانوا يعينون شيئا من حرث ونتاج لله تعالى فيصرفونه إلى الضيفان والمساكين وأشياء منهما لآلهتهم فينفقون منها لسدنتها ويذبحون عندها فإذا رأوا ما جعلوه لله تعالى زاكيا ناميا يزيد في نفسه خيرا رجعوا فجعلوه لآلهتهم وإذا زكا ما جعلوه لآلهتهم تركوه معتلين بأن الله تعالى غني وما ذاك إلا لفرط جهلهم حيث أشركوا الخالق القادر جمادا لا يقدر على شيء ثم رجحوه عليه سبحانه بأن جعلوا الزاكي له، واختار هذه الرواية الزجاج وغيره.
وأصل النظم الكريم وجعلوا لله إلخ ولشركائهم فطوى ذكر الشركاء لأنه- على ما قيل- أمر محقق عندهم وأشير إلى تقديره بالتصريح به في قوله تعالى: فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا أي الأوثان، وسموهم شركاءهم لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فهم شركاؤهم فيها ويحتمل أن الإضافة لأدنى ملابسة حيث إنهم زعموا كونهم شركاء لله تعالى. وقرأ الكسائي، ويحيى بن وثاب، والأعمش «بزعمهم» بضم الزاي وهو لغة فيه، وجاء الكسر أيضا فهو مثلث كالود وقد تقدم معناه، وإنما قيد به الأول للتنبيه على أنه في الحقيقة ليس بجعل لله سبحانه غير مستتبع لشيء من الثواب كالتطوعات التي يبتغى بها وجه الله تعالى، وقيل: للإيذان بأن ذلك مما اخترعوه لم يأمرهم الله تعالى به. ورد بأن ذلك مستفاد من الجعل ولذلك لم يقيد به الثاني.
وجوز أن يكون ذلك تمهيدا لما بعده على أن معنى قولهم. هذا لِلَّهِ مجرد زعم منهم لا يعملون بمقتضاه الذي هو اختصاصه به تعالى فقوله سبحانه: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ بيان وتفصيل له أي فما عينوه لشركائهم لا يصرف إلى الوجوه التي يصرف إليها ما عينوه لله تعالى وما عينوه لله تعالى يصرف إلى الوجوه التي يصرف إليها ما عينوه لآلهتهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ فيما فعلوا من إيثار مخلوق عاجز عن كل شيء على خالق قادر على كل شيء وعملهم بما لم يشرع لهم، وساءَ يجري مجرى بئس، فما سواء كانت موصولة أو موصوفة فاعل، والمخصوص بالذم محذوف أي حكمهم هذا، وقيل: إن ساءَ هنا غير الجارية مجرى بئس فلا تحتاج إلى مخصوص بالذم بل إلى فاعل فقط فإن فاعل الجارية يجب أن يكون معرفا باللام أو مضافا في الأشهر، واختاره بعض المحققين.
وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك في قسمة القربات من الحرث والإنعام بين الله تعالى وبين شركائهم أو مثل ذلك التزيين البليغ المعهود من الشياطين زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي مشركي العرب قَتْلَ أَوْلادِهِمْ فكانوا يئدون البنات الصغار بأن يدفنونهن أحياء، وكانوا في ذلك- على ما قيل فريقين. أحدهما يقول: إن الملائكة بنات الله سبحانه فألحقوا البنات بالله تعالى فهو أحق بها. والآخر يقتلهن خشية الإنفاق، وقيل:
خشية ذلك والعار وهو المروي عن الحسن، وجماعة، وقيل: السبب في قتل البنات أن النعمان بن المنذر أغار على قوم فسبى نساءهم وكانت فيهن بنت قيس بن عاصم ثم اصطلحوا فأرادت كل امرأة منهن عشيرتها غير ابنة قيس فإنها أرادت من سباها فحلف قيس لا تولد له بنت إلا وأدها فصار ذلك سنة فيما بينهم، وقيل: إنهم كانوا ينذر أحدهم إذا بلغ بنوه، عشرة نحر واحد منهم كما فعله عبد المطلب في قصته المشهورة، وإليها أشار صلّى الله عليه وسلّم
بقوله:«أنا ابن الذبيحين»
وقَتْلَ مفعول زَيَّنَ مضاف إلى أَوْلادِهِمْ من إضافة المصدر إلى مفعوله.
وقوله سبحانه: شُرَكاؤُهُمْ فاعل له، والمراد بالشركاء إما الجن أو السدنة، ووسموا بذلك لأنهم شركاء في أموالهم كما مر آنفا أو لإطاعتهم له كما يطاع الشريك لله عز اسمه. ومعنى تزيينهم لهم ذلك تحسينه لهم وحثهم عليه.
وقرأ ابن عامر «زيّن» بالبناء للمفعول الذي هو القتل، ونصب الأولاد وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولا بينهما