المصدر إذا وقع مفعولا مطلقا لا يعمل لعدم تقديره بأن والفعل، وفيه نظر لأن تأويله بذلك ليس بلازم لتعلق الجار به فإنه مما يكفيه رائحة الفعل.
وجوز أبو البقاء أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع صفة لافتراء أي افتراء كائنا عليه سَيَجْزِيهِمْ ولا بد بِما كانُوا يَفْتَرُونَ أي بسببه أو بدله، وأبهم الجزاء للتهويل وَقالُوا حكاية لفن آخر من فنون كفرهم ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنون به أجنة البحائر والسوائب كما روي عن مجاهد والسدي، وروى ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم يعنون به الألبان، وما مبتدأ خبره قوله سبحانه: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا أي حلال لهم خاصة لا يشركهم فيه أحد من الإناث، والتاء للنقل إلى الاسمية أو للمبالغة كرواية الشعر أي كثير الرواية له أو لأن الخالصة مصدر- كما قال الفراء- كالعافية وقع موقع الخالص مبالغة أو بتقدير ذو وهذا مستفيض في كلام العرب تقول: فلان خالصتي أي ذو خلوصي، قال الشاعر:
كنت أميني وكنت خالصتي ... وليس كل امرئ بمؤتمن
نعم قيل: مجيء المصدر بوزن فاعل وفاعلة قليل، وقيل: إن التاء للتأنيث بناء على أن «ما» عبارة عن الأجنة.
والتذكير في قوله تعالى: وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا أي على جنس أزواجنا وهن الإناث باعتبار اللفظ، واستبعد ذلك بأن فيه رعاية المعنى أولا واللفظ ثانيا وهو خلاف المعهود في الكتاب الكريم من العكس، وادعى بعض أن له نظائر فيه، منها قوله تعالى: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [الإسراء: ٣٨] إذ أنث فيه ضمير كُلُّ أولا مراعاة للمعنى ثم ذكر حملا على اللفظ، وقيل: إن ما هنا جار على المعهود من رعاية اللفظ أولا لأن صلة «ما» جار ومجرور تقدير متعلقه استقر لا استقر لا استقرت ولا وجه لذلك لأن المتعلق والضمير المستتر فيه لا يعلم تذكيره وتأنيثه حتى يكون مراعاة لأحد الجانبين. والذي يقتضيه الإنصاف أن الحمل على اللفظ بعد المعنى قليل وغيره أولى ما وجد إليه سبيل، وذكر بعضهم أن ارتكاب خلاف المعهود هاهنا لا يخلو عن لطف معنوي ولفظي، أما الأول فموافقة القول الفعل حيث إن المعهود من ذوي المروءة جبر قلوب الإناث لضعفهن. ولذا يندب للرجل إذا أعطي شيئا لولده أن يبدأ بأنثاهم، وأما الثاني فمراعاة ما يشبه الطباق بوجه بين خالِصَةٌ ولِذُكُورِنا وبين مُحَرَّمٌ وأَزْواجِنا وهو كما ترى.
وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً عطف على ما يفهم من الكلام أي ذلك حلال للذكور محرم على الإناث إن ولد حيا وإن ولدت ميتة فَهُمْ أي الذكور والإناث فِيهِ أي فيما في بطون الأنعام، وقيل: الضمير للميتة إلا أنه لما كان المراد بها ما يعم الذكر والأنثى غلب الذكر فذكر الضمير كما فعل ذلك فيما قبله شُرَكاءُ يأكلون منه جميعا، وهذا الذي ذكر في هذه الشرطية إنما يظهر على القول الأول في تفسير الموصول، وأما على القول الثاني فيه فلا. ولعل الذي يقول به يقرأ الآية بإحدى الأوجه الآتية أو يتأول الضمير، وقرأ الأعرج. وقتادة «خالصة» بالنصب وخرج ذلك على أنه مصدر مؤكد وخبر المبتدأ لِذُكُورِنا، وقال القطب الرازي: يجوز أن يكون حالا من الضمير في الظرف الواقع صلة أي في حال خلوصه من البطون أي خروجه حيا، والتزم جعلها حالا مقدرة ولعله ليس باللازم، ومنع غير واحد جعله حالا من الضمير فيما بعده أو من ذكورنا نفسه لأن الحال لا تتقدم على العامل المعنوي كالجار والمجرور واسم الإشارة وهاء التنبيه العاملة بما تضمنته من معنى الفعل ولا على صاحبها المجرور كما تقرر في محله، وقرأ ابن جبير «خالصا» بدون تاء مع النصب أيضا والكلام فيه نظير ما مر، وقرأ ابن عباس، وابن مسعود، والأعمش «خالصة» بالرفع والإضافة إلى الضمير على أنه بدل من ما أو مبتدأ ثان، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر «وإن