للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه لدلالته على حصد خاص وهو حصد الزرع إذا انتهى وجاء زمانه كما صرح به سيبويه وأشار إليه الراغب وَلا تُسْرِفُوا أي لا تتجاوزا الحد فتبسطوا أيديكم كل البسط في الإعطاء.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذّ نخلا فقال: لا يأتين اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى ذلك، وروي مثله عن أبي العالية.

وعن أبي مسلم أن المراد ولا تسرفوا في الأكل قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء. وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب أن المعنى لا تمنعوا الصدقة فتعصوا، وقال الزهري: المعنى لا تنفقوا في معصية الله تعالى.

ويروى نحوه عن مجاهد.

فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: لو كان أبو قبيس ذهبا فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما في معصية الله تعالى كان مسرفا. وقال مقاتل: المراد لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام.

والخطاب على جميع هذه الأقوال لأرباب الأموال، وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن الخطاب للولاة أي لا تأخذوا ما ليس لكم بحق وتضروا أرباب الأموال. واختار الطبرسي أنه خطاب للجميع من أرباب الأموال والولاة أي لا يسرف رب المال في الإعطاء ولا الإمام في الأخذ والدفع إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ بل يبغضهم من حيث إسرافهم ويعذبهم عليه إن شاء جل شأنه وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً شروع في تفصيل حال الأنعام وإبطال ما تقولوا على الله تعالى في شأنها بالتحريم والتحليل، وهو عطف على جَنَّاتٍ والجهة الجامعة إباحة الانتفاع بهما.

والجار والمجرور متعلق بأنشأ. والحمولة ما يحمل عليه لا واحد له كالركوبة.

والمراد به ما يحمل الأثقال من الأنعام وبالفرش ما يفرش للذبح أو ما يفرش المنسوج من صوفه وشعره ووبره، وإلى الأول ذهب أبو مسلم وروي عن الربيع بن أنس. وإلى الثاني ذهب الجبائي، وقيل: الحمولة الكبار الصالحة للحمل والفرش الصغار الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها، وروي ذلك عن ابن مسعود لكنه رضي الله تعالى عنه خص ذلك بكبار الإبل وصغارها وهو إحدى الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفي رواية أخرى الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه والفرش الغنم كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي كلوا بعض ما رزقكم الله تعالى وهو الحلال، فمن تبعيضية.

والرزق شامل للحلال والحرام، والمعتزلة خصوه بالحلال كما تقدم أوائل الكتاب وادعوا أن هذه الآية أحد أدلتهم على ذلك وركبوا شكلا منطقيا أجزاؤه سهلة الحصول تقديره الحرام ليس بمأكول شرعا وهو ظاهر والرزق ما يؤكل شرعا لقوله تعالى: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ فالحرام ليس برزق.

وأنت تعلم أن هذا إنما يفيد لو صدق كل رزق مأكول شرعا، والآية لا تدل عليه، أما إذا كانت تبعيضية فظاهر، وأما إن كانت ابتدائية فلأنه ليس فيها ما يدل على تناول الجميع، وقيل: معنى الآية استحلوا الأكل مما أعطاكم الله تعالى وَلا تَتَّبِعُوا في أمر التحليل والتحريم بتقليد أسلافكم المجازفين في ذلك من تلقاء أنفسهم المفترين على الله سبحانه خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي طرقه فإن ذلك منهم بإغوائه واستتباعه إياهم إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أي ظاهر العداوة فقد أخرج آدم عليه السلام من الجنة وقال: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: ٦٢] أعاذنا الله تعالى والمسلمين من شره إنه الرحمن الرحيم.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً في عين الجمع المطلق قائلا يا معشر الجن أي

<<  <  ج: ص:  >  >>