مُحَرَّماً صفة لمحذوف دل عليه ما بعد وقد قام مقامه بعد حذفه فهو مفعول أول لأجد ومفعوله الثاني فِي ما أُوحِيَ قدم للاهتمام لا لأن المفعول الأول نكرة لأنه نكرة عامة بالنفي فلا يجب تقديم المسند الظرف، وليس المفعول الأول محذوفا أي لا أجد ريثما تصفحت ما أوحي إلي قرآنا وغيره على ما يشعر به العدول عن أنزل إلى «أوحي» أو ما أوحي إلي من القرآن طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها عَلى طاعِمٍ أي طاعم كان من ذكر أو أنثى ردا على قولهم: مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وقوله تعالى: يَطْعَمُهُ في موضع الصفة لطاعم جيء به كما في قوله سبحانه: طائِرٍ يَطِيرُ [الأنعام: ٣٨] قطعا للمجاز. وقرىء «يطعمه» بالتشديد وكسر العين، والأصل يطتعمه فأبدلت التاء طاء وأدغمت فيها الأولى، والمراد بالطعم تناول الغذاء، وقد يستعمل طعم في الشراب أيضا كما تقدم الكلام عليه، والمتبادر هنا الأول، وقد يراد به مطلق النفع، ومنه ما في حديث بدر ما قتلنا أحدا به طعم ما قتلنا إلا عجازا صلعا أي قتلنا من لا منفعة له ولا اعتداد به، وإرادة هذا المعنى هنا بعيد جدا ولم أر من قال به، نعم قيل: المراد سائر أنواع التناولات من الأكل والشرب وغير ذلك، ولعل إرادة غير الأكل فيه بطريق القياس، وكذا حمل الطاعم على الواجد من قولهم: رجل طاعم أي حسن الحال مرزوق وإبقاء يَطْعَمُهُ على ظاهره أي على واجد يأكله فلا يكون الوصف حينئذ لزيادة التقرير على ما أشرنا إليه.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك الطعام أو الشيء المحرم مَيْتَةً المراد بها ما لم يذبح ذبحا شرعيا فيتناول المنخنقة ونحوها. وقرأ ابن كثير. وحمزة «تكون» بالتاء لتأنيث الخبر. وقرأ ابن عامر وأبو جعفر «يكون ميتة» بالياء ورفع «ميتة» . وأبو جعفر يشدد أيضا على أن كان هي التامة أَوْ دَماً عطف على مَيْتَةً أو على أن مع ما في حيزه. وقوله سبحانه: مَسْفُوحاً أي مصبوبا سائلا كالدم في العروق صفة له خرج به الدم الجامد كالكبد والطحال.
وفي الحديث «أحلت لنا ميتتان السمك والجراد ودمان الكبد والطحال»
وقد رخص في دم العروق بعد الذبح، وإلى ذلك ذهب كثير من الفقهاء. وعن عكرمة أنه قال: لولا هذا القيد لا تبع المسلمون من العروق ما اتبع اليهود.
أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ أي اللحم- كما قيل- لأنه المحدث عنه أو الخنزير لأنه الأقرب ذكرا. وذكر اللحم لأنه أعظم ما ينتفع به منه فإذا حرم فغيره بطريق الأولى، وقيل- وهو خلاف الظاهر-: الضمير لكل من الميتة والدم ولحم الخنزير على معنى فإن المذكور رِجْسٌ أي قدر أو خبيث مخبث أَوْ فِسْقاً عطف على لَحْمَ خِنزِيرٍ على ما اختاره كثير من المعربين وما بينهما اعتراض مقرر للحرمة أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ صفة له موضحة.
وأصل الإهلال رفع الصوت. والمراد الذبح على اسم الأصنام. إنما سمي ذلك فسقا لتوغله في الفسق. وجوز أن يكون فِسْقاً مفعولا له لأهلّ وهو عطف على يَكُونَ وبِهِ قائم مقام الفاعل. والضمير راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يَكُونَ.
قال أبو حيان: وهذا إعراب متكلف جدا والنظم عليه خارج عن الفصاحة وغير جائز على قراءة من قرأ «إلا أن يكون ميتة» بالرفع لأن ضمير بِهِ ليس له ما يعود عليه، ولا يجوز أن يتكلف له موصوف محذوف يعود عليه الضمير أي شيء أهل لغير الله به لأن مثل هذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر اه. وعنى بذلك- كما قال الحلبي- أنه لا يحذف الموصوف والصفة جملة إلا إذا كان في الكلام- من- التبعيضية نحو منا أقام ومنا ظعن أي فريق أقام وفريق ظعن فإن لم يكن فيه- من- كان ضرورة كقوله: