هو تعليل للاتباع متعلق باتبعوه على حذف اللام، وجاز عود ضمير اتبعوه إلى الصراط لتقدمه في اللفظ.
فإن قيل: فعلى هذا يكون اتبعوه عطفا على لا تشركوا ويكون التقدير فاتبعوا صراطي لأنه مستقيم، وفيه جمع بين حرفي عطف الواو والفاء وليس بمستقيم، وإن جعلت الواو استئنافية اعتراضية قلنا: ورود الواو مع الفاء عند تقديم المعمول فصلا بينهما شائع في الكلام مثل وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً فإن أبيت الجمع البتة ومنعت زيادة الفاء فاجعل المعمول متعلقا بمحذوف والمذكور بالفاء عطفا عليه مثل عظم فكبر وادعوا الله فلا تدعوا مع الله وآثروه فاتبعوه.
وعن الإشكال الثاني بأن عطف الأوامر على النواهي الواقعة بعد أن المفسرة لتلاوة المحرمات مع القطع بأن المأمور به لا يكون محرما دل على أن التحريم راجع إلى أضدادها بمعنى أن الأوامر كأنها ذكرت وقصد لوازمها التي هي النهي عن الأضداد حتى كأنه قيل: اتلوا ما حرم أن لا تسيؤوا إلى الوالدين ولا تبخسوا الكيل والميزان ولا تتركوا العدل ولا تنكثوا العهد، ومثل هذا وإن لم يجز بحسب الأصل لكن ربما يجوز بطريق العطف، وأما جعل الوقف على قوله تعالى: رَبُّكُمْ وانتصاب أَلَّا تُشْرِكُوا بعليكم يعني ألزموا ترك فيأباه عطف الأوامر إلا أن تجعل لا ناهية وأن المصدرية موصولة بالأوامر والنواهي. وقال أبو حيان: لا يتعين أن يكون جميع الأوامر معطوفة على جميع ما دخل عليه لا فإنه لا يصح عطف «وبالوالدين إحسانا» على «تعالوا» ويكون ما بعده عطف عليه.
واعترض على القول بأن التحريم راجع إلى أضداد الأوامر بأنه بعيد جدا وألغاز في المعاني ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، ثم قال: وأما عطف هذه الأوامر فيحتمل وجهين، أحدهما أنها معطوفة لا على المناهي قبلها فيلزم انسحاب التحريم عليها حيث كانت في حيز ان التفسيرية بل هي معطوفة على قوله سبحانه: أَتْلُ ما حَرَّمَ أمرهم أولا بأمر ترتب عليه ذكر مناه، ثم أمرهم ثانيا بأوامر وهذا معنى واضح، والثاني أن تكون الأوامر معطوفة على المناهي داخلة تحت حكم أن التفسيرية، ويصح ذلك على تقدير محذوف تكون أن مفسرة له وللمنطوق قبله الذي دل على حذفه، والتقدير وما أمركم به فحذف وما أمركم به لدلالة ما حرم عليه لأن معنى ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ما نهاكم ربكم عنه، فالمعنى قل تعالوا اتل ما نهاكم عنه ربكم وما أمركم به، وإذا كان التقدير هكذا صح أن تكون تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف ألا ترى أنه يجوز أن تقول: أمرتك أن لا تكرم جاهلا وأكرم عالما، ويجوز عطف الأمر على النهي والنهي على الأمر لقول امرئ القيس:
لا تهلك أسى وتجمل ولا نعلم في هذا خلافا بخلاف الجمل المتباينة بالخبر والاستفهام والإنشاء فإن في جواز العطف فيها خلافا مشهورا اه. وأنت تعلم أن العطف على تَعالَوْا في غاية البعد ولا ينبغي الالتفات إليه، وما ذكره من الحذف وجعل التفسير للمحذوف والمنطوق لا يخلو عن حسن، ونقل الطبرسي جواز كون أَلَّا تُشْرِكُوا بتقدير اللام على معنى أبين لكم الحرام لأن لا تشركوا لأنهم إذا حرموا ما أحل الله فقد جعلوا غير الله تعالى في القبول منه بمنزلة الله سبحانه وصاروا بذلك مشركين، ولا ينبغي تخريج كلام الله تعالى على مثل ذلك كما لا يخفى ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ كلام مسوق من جهته تعالى تقريرا للوصية وتحقيقا لها وتمهيدا لما تعقبه من ذكر إنزال القرآن المجيد كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل بعد قوله سبحانه: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ بطريق الاستئناف تصديقا له وتقريرا لمضمونه فعلنا ذلك ثُمَّ آتَيْنا إلخ. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام قدس سره، وقيل: عطف على ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ. وعن الزجاج أنه عطف على معنى التلاوة