للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره وأعظم، والمراد بالتكبر هاهنا إما التكبر على الله تعالى وهو أعظم التكبر. ويكون بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة.

وفسره بعضهم بالمعصية. وإما التكبر على آدم عليه السلام بزعمه أنه خير منه وأكبر قدرا. وقيل: المراد ما هو أعم منه ومن التكبر على الملائكة حيث زعم أن له خصوصية ميزته عليهم وأخرجته من عمومهم وفيه تأمل. وزعم البعض أن في الآية تنبيها على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة فكما يمنع من القرار فيها يمنع من دخولها بعد ذلك وأنه تعالى إنما طرده لتكبره لا لمجرد عصيانه، وهو ظاهر على أحد الاحتمالات كما لا يخفى. والظرف إما متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع حالا. وقوله تعالى: فَاخْرُجْ تأكيد للأمر بالهبوط متفرع عليه. وقوله سبحانه: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ تعليل للأمر بالخروج مشعر بأنه لتكبره أي إنك من أهل الصغار والهوان على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبرك.

أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من تواضع لله رفعه الله تعالى، ومن تكبر وضعه الله عز وجل»

ومن حديثه رضي الله تعالى عنه «من تواضع لله تعالى رفع الله تعالى حكمته وقال: انتعش نعشك الله ومن تكبر وعد أطواره، وهصه الله تعالى إلى الأرض»

وقيل: المراد من الأذلاء في الدنيا بالذم واللعن. وفي الآخرة بالعذاب بسبب ما ارتكبه من المعصية والتكبر، وإذلال الله تعالى المتكبرين يوم القيامة مما نطقت به الأخبار.

أخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بولس يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار»

وفسر بعضهم الصاغر بالراضي بالذل كما هو المشهور فيه. والمراد وصفه بأنه خسيس الطبع دنيء وأنه رأى نفسه أكبر من غيره وليس بالكبير. ولقد أبدع أبو نواس بقوله خطابا له:

سوأة يا لعين أنت اختلست الن ... اس غيظا عليهم أجمعينا

تهت لما أمرت في سالف الده ... ر وفارقت زمرة الساجدينا

عند ما قلت لا أطيق سجودا ... لمثال خلقته رب طينا

حسدا إذ خلقت من مارج الن ... ار لمن كان مبتدا العالمينا

ثم صيرت في القيادة تسعى ... يا مجير الزناة واللائطينا

وله أيضا من أبيات فيه:

تاه على آدم في سجدة ... وصار قوادا لذريته

قالَ استئناف كما مر مبني على سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل: فماذا قال اللعين بعد ما سمع ما سمع؟

فقيل: قال: أَنْظِرْنِي أي أمهلني ولا تمتني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي آدم عليه السلام وذريته وهو وقت النفخة الثانية، وأراد بذلك أن يجد فسحة في الإغواء وأخذ الثأر ونجاة من الموت إذ لا موت بعد البعث قالَ استئناف كما مر إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ظاهره إلى يوم يبعثون حيث وقع في مقابلة كلامه لكن في سورة الحجر وص التقييد بيوم الوقت المعلوم، واختلف في المراد منه فالمشهور أنه يوم النفخة الأولى دون يوم البعث لأنه ليس بيوم موت، وجوز بعضهم أن يكون المراد منه يوم البعث ولا يلزم أن لا يموت فلعله يموت أول اليوم ويبعث مع الخلق في تضاعيفه:

<<  <  ج: ص:  >  >>