للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطوفون بالبيت عراة حتى كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفلها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحمر من الذباب وهي تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله

فأنزل الله تعالى هذه الآية: وحمل بعضهم الزينة على لباس التجمل لأنه المتبادر منه ونسب للباقر رضي الله تعالى عنه،

وروي عن الحسن السبط رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له: يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال فأتجمل لربي وهو يقول خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فأحب أن ألبس أجمل ثيابي،

ولا يخفى أن الأمر حينئذ لا يحمل على الوجوب لظهور أن هذا التزين مسنون لا واجب، وقيل: إن الآية على الاحتمال الأول تشير إلى سنية التجمل لأنها لما دلت على وجوب أخذ الزينة لستر العورة عند ذلك فهم منه في الجملة حسن التزين بلبس ما فيه حسن وجمال عنده، ونسب بيت الكذب إلى الصادق رضي الله عنه تعالى أن أخذ الزينة التمشط كأنه قيل: تمشطوا عند كل صلاة، ولعل ذلك من باب الاقتصار على بعض أنواع الزينة وليس المقصود حصرها فيما ذكر. ومثل ذلك ما

أخرجه ابن عدي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خذوا زينة الصلاة قالوا: وما زينة الصلاة؟ قال: البسوا نعالكم فصّلوا فيها» .

وأخرج ابن عساكر. وغيره عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: في قوله سبحانه: خُذُوا زِينَتَكُمْ إلخ «صلوا في نعالكم»

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا مما طاب لكم.

قال الكلبي: كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما في أيام حجهم يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون: يا رسول الله من أحق بذلك فأنزل الله تعالى الآية،

ومنه يظهر وجه ذكر الأكل والشرب هنا وَلا تُسْرِفُوا بتحريم الحلال كما هو المناسب لسبب النزول أو بالتعدي إلى الحرام كما روي عن ابن زيد أو بالإفراط في الطعام والشره كما ذهب إليه كثير، وأخرج أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: إياكم والبطنة من الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

وقيل: المراد الإسراف ومجاوزة الحد بما هو أعم مما ذكر وعد منه أكل الشخص كلما اشتهى وأكله في اليوم مرتين،

فقد أخرج ابن ماجة والبيهقي عن أنس قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت»

وأخرج الثاني وضعفه عن عائشة قالت: «رآني النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد أكلت في اليوم مرتين فقال يا عائشة أما تحبين أن يكون لك شغل إلا في جوفك الأكل في اليوم مرتين من الإسراف» .

وعندي أن هذا مما يختلف باختلاف الأشخاص، ولا يبعد أن يكون ما ذكر من الإفراط في الطعام وعد منه طبخ الطعام بماء الورد وطرح نحو المسك فيه مثلا من غير داع إليه سوى الشهوة، وذهب بعضهم إلى أن الإسراف المنهي عنه يعم ما كان في اللباس أيضا، وروي ذلك عن عكرمة، وأخرج ابن أبي شيبة، وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة. ورواه البخاري عنه تعليقا وهو لا ينافي ما ذكره الثعالبي وغيره من الأدباء أنه ينبغي للإنسان أن يأكل ما يشتهي ويلبس ما يشتهيه الناس كما قيل:

نصحته نصيحة قالت بها الأكياس ... كل ما اشتهيت والبس ما تشتهيه الناس

فإنه لترك ما لم يعتد بين الناس وهذا لإباحة كل ما اعتادوه. وفي العجائب للكرماني قال طبيب نصراني لعلي

<<  <  ج: ص:  >  >>