للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ منصوب في جواب النهي. والمعنى لا تجمعوا بين المس وأخذ العذاب إياكم.

والأخير وإن لم يكن من صنيعهم حقيقة لكن لتعاطيهم أسبابه كأنه من صنيعهم.

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ أي خلفاء في الأرض أو خلفاء لهم قيل: ولم يقل: خلفاء عاد مع أنه أخصر إشارة إلى أن بينهما زمانا طويلا وَبَوَّأَكُمْ أي أنزلكم وجعل لكم مباءة فِي الْأَرْضِ أي أرض الحجر بين الحجاز والشام تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أي تبنون في سهولها مساكن رفيعة. فمن بمعنى في كما في قوله تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة: ٩] ويجوز أن تكون ابتدائية أو تبعيضية أي تعملون القصور من مادة مأخوذة من السهل كاللبن والآجر المتخذين من الطين- والجار والمجرور- على ما قال أبو البقاء- يجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا مما بعده. وأن يكون مفعولا ثانيا لتتخذون. وأن يكون متعلقا به وهو متعد لواحد.

والسهل خلاف الحزن وهو موضع الحجارة والجبال. والجملة استئناف مبين لكيفية التبوئة فإن هذا الاتخاذ بأقداره سبحانه وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ أي تنجرونها، والنحت معروف في كل صلب ومضارعه مكسور الحاء.

وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق، وفي القاموس عنه أنه قرأ «تنحاتون» بالإشباع كينباع، وانتصاب الْجِبالَ على المفعولية، وقوله سبحانه: بُيُوتاً نصب على أنه حال مقدرة منها لأنها لم تكن حال النحت بيوتا كخطت الثوب جبة، والحالية- كما قال الشهاب- باعتبار أنها بمعنى مسكونة إن قيل بالاشتقاق فيها، وقيل:

انتصاب الْجِبالَ ينزع الخافض أي من الجبال، ويرجحه أنه وقع في آية أخرى كذلك، ونصب بُيُوتاً على المفعولية، وجوز أن يضمن النحت معنى الاتخاذ فانتصابهما على المفعولية. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم اتخذوا القصور في السهول ليصيفوا فيها ونحتوا من الجبال بيوتا ليشتّوا فيها، وقيل: إنهم نحتوا الجبال بيوتا لطول أعمارهم وكانت الأبنية تبلى قبل أن تبلى أعمارهم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ أي نعمه التي أنعم بها عليكم مما ذكر أو جميع نعمه ويدخل فيها ما ذكر دخولا أوليا، وليس المراد مجرد الذكر باللسان كما علمت.

وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ فإن حق آلائه تعالى أن تشكروا ولا يغفل عنها فكيف بالكفر، والعثي الإفساد فمفسدين حال مؤكدة كما في وَلَّوْا مُدْبِرِينَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ [النمل: ٨٠، والروم: ٥٢] أي الأشراف الذين عتوا وتكبروا، والجملة استئناف كما مر غيره مرة. وقرأ ابن عامر «وقال» بالواو عطفا على ما قبله من قوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ إلخ، واللام في قوله سبحانه: لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي عدوا ضعفاء أذلاء للتبليغ كما في أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ [البقرة: ٣٣، يوسف: ٩٦، القلم: ٢٨] ، وقوله تعالى: لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من الموصول بإعادة العامل بدل الكل من الكل كقولك مررت بزيد بأخيك. والضمير المجرور راجع إلى قومه.

وجوز أن يكون بدل بعض من كل على أن الضمير للذين استضعفوا فيكون المستضعفون قسمين مؤمنين وكافرين، ولا يخفى بعده، والاستفهام في قوله جل شأنه. أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ للاستهزاء لأنهم يعلمون أنهم عالمون بذلك ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر كما حكى سبحانه عنهم بقوله: قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ فإن الجواب الموافق لسؤالهم نعم أو نعلم أنه مرسل منه تعالى. ومن هنا قال غير واحد إنه من الأسلوب الحكيم فكأنهم قالوا: العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله لوضوحه وإنارته وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنا به مؤمنون.

واختار في الانتصاف أن ذلك ليس إخبارا عن وجوب الإيمان به بل عن امتثال الواجب فإنه أبلغ من ذلك فكأنهم قالوا: العلم بإرساله وبوجوب الإيمان به لا نسئل عنه وإنما الشأن في امتثال الواجب والعمل به ونحن قد امتثلنا قالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>