للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشاء الله تعالى أن يمكنكم من إكراهنا ويخلي بينكم وبينه فنعود إلى اظهار ملتكم مكرهين، وقوي بسبق أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ.

وقيل: إن الهاء في قوله سبحانه فِيها يعود إلى القرية لا الملة فيكون المعنى أنا سنخرج من قريتكم ولا نعود فيها إلا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الإظهار عليكم والظفر بكم فنعود فيها وقيل: إن التقدير إلا أن يشاء الله أن يردكم إلى الحق فنكون جميعا على ملة واحدة، ولا يخفى أن كل ذلك مما يضحك الثكلى، وبالجملة الآية ظاهرة فيما ذهب إليه أهل السنة وسبحان من سد باب الرشد عن المعتزلة.

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ إعراض عن مفاوضتهم إثر ما ظهر من عتوهم وعنادهم وإقبال على الله تعالى بالدعاء والفتح بمعنى الحكم والقضاء لغة لحمير أو لمراد. والفتاح عندهم القاضي والفتاحة بالضم الحكومة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: الفتح القضاء لغة يمانية. وأخرج البيهقي وجماعة عن ابن عباس قال:

ما كنت أدري ما قوله رَبَّنَا افْتَحْ حتى سمعت ابنة ذي يزن وقد جرى بيني وبينها كلام فقالت أفاتحك تريد أقاضيك وبَيْنَنا منصوب على الظرفية والتقييد بالحق لإظهار النصفة، وجوز أن يكون مجازا عن البيان والإظهار وإليه ذهب الزجاج، ومنه فتح المشكل لبيانه وحله تشبيها له بفتح الباب وإزالة الاغلاق حتى يوصل إلى ما خلفها وبيننا على ما قيل مفعول به بتقدير ما بيننا وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ أي الحاكمين لخلو حكمك عن الجور والحيف أو المظهرين لمزيد علمك وسعة قدرتك والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله.

وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ عطف على قالَ الْمَلَأُ إلخ والمراد من هؤلاء الملأ يحتمل أن يكون أولئك المستكبرين وتغيير الصلة لما أن مناط قولهم السابق هو الاستكبار ويكون هذا حكاية لإضلالهم بعد حكاية ضلالهم على ما قيل، ويحتمل أن يكون غيرهم ودونهم في الرتبة شأنهم الوساطة بينهم وبين العامة والقيام بأمورهم حسبما يراه المستكبرون، أي قالوا لأهل ملتهم تنفيرا لهم وتثبيطا عن الإيمان بعد أن شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين فيه وخافوا أن يفارقوهم لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً ودخلتم في ملته وفارقتم ملة آبائكم إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ أي مغبونون لاستبدالكم الضلالة بالهدى ولفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف فالخسران على الأول استعارة وعلى الثاني حقيقة وإلى تفسير الخاسرين بالمغبونين ذهب ابن عباس، وعن عطاء تفسيره بالجاهلين، وعن الضحاك تفسيره بالفجرة، وإذا حرف جواب وجزاء معترض كما قال غير واحد بين اسم إن وخبرها. وقيل: هي إذا الظرفية الاستقبالية وحذفت الجملة المضاف إليها وعوض عنها التنوين، ورده أبو حيان بأنه لم يقله أحد من النحاة، والجملة جواب للقسم الذي وطأته اللام بدليل عدم الاقتران بالفاء وسادة مسد جواب الشرط وليست جوابا لهما معا كما يوهمه كلام بعضهم لأنه كما قيل مع مخالفته للقواعد النحوية يلزم فيه أن يكون جملة واحدة لها محل من الاعراب ولا محل لها وان جاز باعتبارين فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي الزلزلة كما قال الكلبي وفي سورة [هود: ٩٤] وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ أي صيحة جبريل عليه السلام، ولعلها كانت من مبادئ الرجفة فأسند إهلاكهم إلى السبب القريب تارة وإلى البعيد أخرى، وقال بعضهم: إن القصة غير واحدة فإن شعيبا عليه السلام بعث إلى أمتين أهل مدين وأهل الأيكة فأهلكت إحداهما بالرجفة والأخرى بالصيحة، وفيه أنه إنما يتم لو لم يكن هلاك أهل مدين بالصيحة، والمروي عن قتادة أنهم الذين أهلكوا بها وأن أهل الأيكة أهلكوا بالظلة.

وجاء في بعض الآثار أن أهل مدين أهلكوا بالظلة والرجفة،

فقد روي عن ابن عباس وغيره في هذه الآية أن الله تعالى فتح عليهم بابا من جهنم فأرسل عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظل ولا ماء فكانوا يدخلون

<<  <  ج: ص:  >  >>